بقلم: سُكينة علي وعزّت وجدي باعويضان-
بينما كان قادة كبار في سلاحَي الجو في كلٍّ من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية يعقدون اجتماعًا في مسقط، بدأت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صورٌ لمقاتلات سعودية وهي تنفّذ ما وُصف بـ«ضربات تحذيرية» فوق محافظة المهرة اليمنية، الواقعة على الحدود مع سلطنة عُمان. وتأتي هذه التطورات في وقت شهدت فيه المنطقة، خلال الأسابيع الأخيرة، توسعًا سريعًا لنفوذ قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة.
ووفقًا لمصادر تحدّثت إلى قناة «الحرة»، فإن المجلس الانتقالي بات قريبًا من إعلان دولة مستقلة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
غير أن المتحدث باسم المجلس، أنور التميمي، نفى في تصريحات لـ«الحرة» احتمال إقدام السعودية على أي عمل عسكري ضد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
في المقابل، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرًا عن حشدٍ عسكري سعودي كبير يضمّ نحو 20 ألف مقاتل من قوات «درع الوطن» اليمنية على الحدود.
وإذا ما تأكّد هذا التحرك، فإنه سيشير إلى تحوّل في السياسة السعودية حيال الصراع في اليمن، وحيال حلفائها اليمنيين السابقين، كما سيعكس تغيرًا جوهريًا في موازين المواقف والنفوذ داخل المعسكر المناهض لجماعة الحوثي.
وفي هذا السياق، قال الصحفي السعودي غازي الحارثي لقناة «الحرة» إن «السعودية لا ترى تحركات المجلس الانتقالي منسجمة مع أهداف التحالف».
ويبدو أن هذا الحشد العسكري يستهدف بدرجة أكبر رسم «خطوط حمراء» جديدة للحد من التمدد شرقًا لحلفاء أبوظبي، أكثر من كونه تمهيدًا لتصعيد ضد الحوثيين. غير أن السؤال يبقى: إلى أي مدى تصحّ هذه القراءة؟
خلاف أم توزيع أدوار؟
منذ إطلاق عملية «عاصفة الحزم» في مارس/آذار 2015، كان الهدف المعلن للتحالف بقيادة السعودية في اليمن يتمثل في وقف تقدم جماعة الحوثي — التي تصنفها الولايات المتحدة منظمةً إرهابية — وإعادة بسط سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
وشكّل هذا الهدف العمود الفقري للجهود العسكرية والسياسية السعودية على مدى العقد الماضي، ضمن استراتيجية أوسع لاحتواء النفوذ الإيراني الداعم للحوثيين، وتأمين الحدود السعودية والخليجية.
ومنذ أبريل/نيسان 2020، تعمل الأطراف المعنية في ظل هدنة معلنة، شهدت تراجعًا في العمليات البرية والجوية والبحرية داخل اليمن، مقابل انخفاض الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية.
غير أن التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة تشير إلى تغيّر في هذه المعادلة. فبحسب تحليل صادر عن «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، فاجأت السرعة التي سيطرت بها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مناطق في شرق وجنوب اليمن كثيرًا من المراقبين.
وأشار التقرير إلى أن هذه التحركات أثارت تكهنات مبكرة بوجود تفاهم غير معلن بين السعودية والإمارات لقبول الأمر الواقع الجديد لصالح المجلس الانتقالي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره أقوى حليف عسكري داخل معسكر الحكومة الشرعية.
وتعزّزت هذه الفرضيات بصمت رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في البداية إزاء تقدم المجلس الانتقالي، إضافة إلى الانتهاء السريع للقتال في محافظة حضرموت، وفقًا لما أورده التقرير.
إلا أن التحليل يخلص إلى أن فرضية «الصفقة» بدأت تتراجع تدريجيًا؛ إذ عاد العليمي لاحقًا ليُدين عملية المجلس الانتقالي بوصفها خطوة أحادية خطيرة تقوّض شرعية الحكومة، في حين طالبت الرياض علنًا بانسحاب كامل لقوات المجلس. كما أقر مسؤولون إماراتيون — بحسب التحليل — بضرورة خفض التصعيد، قبل أن ترسل الدولتان وفدًا مشتركًا إلى عدن لمحاولة احتواء الأزمة.
إعادة تقييم الأولويات السعودية
ميدانيًا، ومع تصاعد التوتر في المهرة وحضرموت، برزت مؤشرات على تحوّل في أولويات الرياض، من التعامل مع المجلس الانتقالي كحليف، إلى التركيز على احتوائه أو حتى ردعه، بدلًا من حصر الاهتمام في مواجهة الحوثيين.
وفي هذا السياق، انتقلت الأزمة من ساحات القتال إلى وسائل الإعلام السعودية، حيث بدأت منابر — لا سيما القريبة من الخط الرسمي — توجيه انتقادات حادة لتحركات المجلس الانتقالي.
وفي مقابلة على قناة «العربية»، هاجم نائب وزير الخارجية اليمني مصطفى النعمان، من الرياض، تحركات المجلس، مشيرًا إلى أن اعتبارات مرتبطة بـ«الحفاظ على الوحدة» قد تدفع بعض القوى — مثل «التيارات الوحدوية داخل الحكومة الشرعية» — إلى خيارات متطرفة. وقال إنه «لا يستبعد شيئًا في السياسة»، ملمّحًا إلى أن التواصل مع الحوثيين، الخصم الرئيس للسعودية، قد يُطرح كخيار قسري إذا استمر فرض الوقائع الجديدة في الجنوب والشرق.
وأضاف أن «السعودية صبورة، وصبرها طويل، لكن إذا غضبت فسيكون الرد صعبًا»، محذرًا بالقول: «نحن متجهون نحو دولة صغيرة في جنوب اليمن، على غرار صوماليلاند».
بين «صوماليلاند» و«كوسوفو»
لم يعد ما يجري في جنوب اليمن مجرد صراع على النفوذ، بل بات انجرافًا تدريجيًا نحو كيان أمر واقع. فمع توسع حضور المجلس الانتقالي داخل مؤسسات الدولة والمرافق العامة، وصدور مواقف داعمة من مسؤولين ووزراء داخل الحكومة، ردّت الرئاسة اليمنية برفضٍ صريح لما وصفته باستغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب سياسية.
وأكدت الرئاسة أن «استخدام الموقع الرسمي لتحقيق أهداف سياسية يقوّض شرعية الدولة»، داعية الشركاء إلى تغليب الحكمة والحوار.
ولم يكن تشبيه مصطفى النعمان بـ«صوماليلاند» مجازيًا؛ فقد أعلنت هذه المنطقة انفصالها عام 1991، ونجحت في بناء مؤسسات حاكمة وأمنية وإدارية، لكنها بقيت لعقود من دون اعتراف دولي واسع.
وعلى المستوى الإقليمي، تقدم تجربة ميناء بربرة، الخاضع لإدارة صوماليلاند، مثالًا عمليًا لهذا النموذج، من خلال عقود تشغيل واستثمارات مرتبطة بممرات التجارة والخدمات اللوجستية في خليج عدن، من دون اعتراف سياسي كامل.
وفي هذا الإطار، سعى المجلس الانتقالي إلى تقديم نفسه لواشنطن كشريك أمني عملي. غير أن الحذر الذي يطبع السياسة الأمريكية تجاه صوماليلاند يبدو حاضرًا هنا أيضًا. إذ تشير وثيقة صادرة عن «خدمة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي» إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع صوماليلاند بحذر شديد، رغم وجود تواصل محدود لم يصل يومًا إلى مستوى الاعتراف.
وفيما يتعلق بالديناميات الداخلية في اليمن، قال الباحث اليمني منير الماوري لقناة «الحرة» إن «ما يحدث قد يعيد إنتاج صراعات الوكالة، ولكن بأدوات مختلفة».
في المقابل، يستشهد بعض أنصار الانفصال الجنوبي بتجربة مغايرة، هي كوسوفو، التي حازت اعترافًا دوليًا واسعًا، من بينها اعتراف الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2008.
ومع ذلك، يبقى من الصعب التنبؤ بالمسار الذي ستتخذه تطورات المشهد اليمني في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل تباينات مواقف الدول الداعمة لمختلف أطراف الصراع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news