اقتصاد المساعدات في اليمن بين مطرقة الفساد وسندان “تصفية الحسابات”قراءة نقدية في كتاب “حقائق التمويلات الدولية لليمن”

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 69 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
اقتصاد المساعدات في اليمن بين مطرقة الفساد وسندان “تصفية الحسابات”قراءة نقدية في كتاب “حقائق التمويلات الدولية لليمن”

في ظل أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم، تحول ملف المساعدات الدولية لليمن إلى “صندوق أسود” يثير الكثير من الجدل والشكوك. وسط هذا الضباب، يأتي كتاب “حقائق التمويلات الدولية لليمن” للدكتور عبد القادر الخراز كمحاولة لكسر الصمت وتتبع مسار مليارات الدولارات التي ضُخت باسم الجياع. الكتاب، الذي يُعد وثيقة “إبلاغ عن فساد”  أكثر منه بحثاً أكاديمياً تقليدياً 1، يضع يده على جرح غائر في جسد العمل الإنساني، لكنه في الوقت ذاته يثير إشكاليات منهجية ومهنية قد تحد من تأثيره المرجو في الأروقة الدولية.

يُحسب للمؤلف نجاحه في بناء هيكل منطقي للكتاب، متدرجاً من المشهد الكلي لحجم التمويلات، مروراً بتوزيعها على المنظمات الأممية والدولية، وصولاً إلى تخصيص دراسات حالة ونماذج محددة. هذا التسلسل يسهل على القارئ -إلى حد ما- تتبع خيوط “اقتصاد المساعدات” المعقد. كما أن الجهد المبذول في تجميع البيانات من مصادر مفتوحة (OSINT) مثل نظام التتبع المالي للأمم المتحدة (FTS) ومواقع الاتحاد الأوروبي والمساعدات الأمريكية، يمنح الكتاب أرضية رقمية ضرورية للنقاش. إلا أن الاعتماد المحدود على الجداول والرسوم البيانية مقارنة بحجم المعلومات الهائل قد قلل من جاذبية الطرح البصري للكتاب5.

معضلة “الإحالة الذاتية”: عندما يكون الخصم والحكم واحداً

اللغة الانفعالية وغياب الحياد البحثي واضح إذ من القراءة الأولى، يلمس القارئ أن لغة الكتاب أقرب إلى “المرافعة الاتهامية” أو التحقيق الصحفي المثير منها إلى البحث الأكاديمي المتزن، مثل استخدام مصطلحات حادة مثل “خداع”، “مؤامرة”، “تبييض”، و”عصابات” يسحب الكتاب من خانة المرجع التوثيقي إلى خانة المنشور السياسي. هذا الأسلوب الانفعالي، المصحوب بتكرار المعلومات وصياغتها في أكثر من موضع لتضخيم الحجم ، قد يدفع الباحثين المحايدين والمؤسسات الدولية للتشكيك في موضوعية الطرح، حتى وإن كانت بعض الحقائق الواردة صحيحة.

الشخصنة وفخ التعميم في قراءة البيانات المالية

يخوض الكتاب في تفاصيل مالية دقيقة، لا سيما قضية “فارق سعر الصرف”، منتقداً احتساب المنظمات للدولار بسعر 250 ريالاً يمنياً بينما كان سعر السوق أعلى بكثير. ورغم أن هذه النقطة جوهرية وتم انتقادها في تقارير أممية سابقة، إلا أن الكتاب يصورها كـ”سرقة ممنهجة” و”مؤامرة”، متجاهلاً السياق البيروقراطي المعقد وضغوط سلطات الأمر الواقع في صنعاء التي فرضت التعامل بالسعر الرسمي لفترات طويلة.

كذلك، يقع الكتاب في فخ التعميم عند الحديث عن النفقات التشغيلية، مدعياً أنها تصل إلى 50% أو 70%15. هذا الطرح يدمج تكاليف التنفيذ اللوجستية والأمنية العالية في بيئة حرب مع “الفساد الإداري”، متجاهلاً أن العمل في مناطق الخطوط النارية يفرض تكاليف تأمين ونقل باهظة. هذا التعميم يفتقر للدقة المحاسبية التي يتطلبها نقد ميزانيات بحجم مليارات الدولارات.

أخطر ما في الكتاب هو انزلاقه نحو “الشخصنة” حيث يوجه المؤلف اتهامات مباشرة وبالاسم والصورة لباحثين ونشطاء يمنيين بارزين، واصفاً إياهم بالارتباط بشبكات “تبييض الحوثي”. هذا الربط القسري، الذي يعتبر الدعوة للسلام أو العمل في مناطق سيطرة الحوثي “تخادماً”، يتجاهل مبدأ “الحياد السلبي” الضروري للعمل في مناطق النزاع. ويعمل مثل اتهام مراكز أبحاث مرموقة بأنها “أذرع ناعمة” للحوثي رغم إصدارها تقارير تدين انتهاكات كافة الأطراف بطريقة تخدم الجماعة نفسها ويفسد القضايا المهمة التي تناولها الكتاب في عناوينه الرئيسية، ويجعل الكتاب يبدو وكأنه أداة لتصفية حسابات سياسية مع تيار المجتمع المدني أكثر منه وثيقة لكشف الفساد المالي. كما أن الكتاب يغفل بشكل شبه كامل “الإكراهات الأمنية” والبيئة العملياتية المعقدة التي تفرضها هشاشة السلطة السياسية خصوصا لدى جماعة الحوثيين على المنظمات، مصوراً الأمر وكأنه شراكة طوعية ورغبة في الفساد.

نقاط الضوء: قضايا تستحق التحقيق

رغم الملاحظات المنهجية، ينجح الكتاب في تسليط الضوء على قضايا جوهرية لا يمكن تجاوزها. تحليل قضية “القمح البولندي” ورفض استلام المنحة يطرح فرضيات فساد منطقية تكشف التخبط الإداري الحكومي وتستوجب المساءلة. كذلك، ينتقد الكتاب بوجاهة تكلفة شراء السفينة البديلة “نوتيكا” كبديل لـ “صافر” وتسليمها فعلياً للحوثيين، وهو نقد سياسي واقتصادي يشاركه فيه العديد من المراقبين الذين رأوا في الصفقة مكافأة للحوثيين بأصل مالي جديد. كما أن إثارة قضية التلاعب بمشروع الحوالات النقدية الطارئة تظل نقطة قوة للكتاب، وإن شابها المبالغة في تقدير المبالغ المنهوبة.

في المحصلة، يمثل كتاب “حقائق التمويلات الدولية لليمن” وثيقة “إبلاغ” هامة، تكمن قيمتها في تجميع شتات الأرقام وتسليط الضوء على تحول المساعدات إلى صناعة ضخمة واقتصاد قائم بذاته، وهو ما ستجده لدى بطريقة احترافية ومهنية في سلسلة مؤلفة من ستة ابحاث لدى مركز صنعاء تناولت “الاستجابة الانسانية في اليمن والقيادة المحلية لها” ومواضيع متعلقة بأمن الغذاء وصعوبة الوصول وعلاقات اخرى مشبوهة للدعم الانساني والتنموي في اليمن. الأمر الذي يفتقد اليه هذا الكتاب بوضعه الحالي، ولغته الانفعالية، واعتماده المفرط على المصادر الذاتية، وهجومه الشخصي على المجتمع المدني، يفتقر إلى الرصانة التي تجعل منه مرجعاً أكاديمياً أو دولياً موثوقاً.

لكي يتحول هذا الجهد إلى وثيقة إدانة فعالة، يحتاج المؤلف إلى تهذيب اللغة لتكون أكثر برودة وموضوعية، فكلما كانت اللغة أكثر حيادية ورصانة، زادت ثقة القارئ والمجتمع الدولي في البيانات المقدمة. كما يجب الابتعاد عن المجازفات القانونية المتمثلة في التشهير بالأفراد دون أحكام قضائية. الكتاب صرخة تحذير قوية – ككل المقالات والأبحاث المشابهة على قلتها- لكنها تحتاج إلى “فلترة” منهجية لكي يسمعها العالم بوضوح.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تقرير خاص | زلزال سياسي يهز قلب الشرعية ويهدد بانكسار الدولة (فيديو)

بران برس | 1853 قراءة 

مصدر خاص لـ“برّان برس”: بن حبريش وصل السعودية قبل اقتحام قوات الانتقالي لآخر معاقله بحضرموت

بران برس | 997 قراءة 

عاجل: سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف مليشيات الانتقالي بحضرموت

المشهد اليمني | 925 قراءة 

الرئيس العليمي يهنئ الشعب اليمني بتحقيق إنجاز جديد وبارقة أمل طال انتظارها

المشهد اليمني | 922 قراءة 

عاجل:بيان عسكري يعلن سيطرة هذه القوات على معسكر في الشحر ونهاية المعركة

كريتر سكاي | 779 قراءة 

تحركات عسكرية جديدة في حضرموت: انسحاب قوات الانتقالي وتمركز قوات بديلة

نيوز لاين | 641 قراءة 

عاجل: اندلاع اشتباكات عنيفة بين مليشيات الانتقالي ورجال قبائل حضرموت

المشهد اليمني | 635 قراءة 

الكشف عن حقيقة الغارات الجوية في ”غيل بن يمين” بحضرموت

المشهد اليمني | 587 قراءة 

اشتباكات عنيفة بين مليشيا الانتقالي وقبائل نهد في العبر بحضرموت

قناة المهرية | 578 قراءة 

أخطر ما ورد في البيان السعودي ضد انقلاب مليشيات الانتقالي

المشهد اليمني | 494 قراءة