زيد مطيع دماج… كاتب خرج من رحم المعاناة إلى أفق الحرية

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 39 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
زيد مطيع دماج… كاتب خرج من رحم المعاناة إلى أفق الحرية

بشرى العامري:

لم يكن زيد مطيع دماج مجرد طفلٍ فتح عينيه على قريةٍ من قرى إب، بل فتحهما على زمنٍ مكفهر، وعلى وطنٍ معلّقٍ بين الجمال والقيد. كان قدره أن يولد في لحظةٍ يتشابك فيها خُضرة المكان مع سواد الاستبداد، وأن ينشأ في بيتٍ يتنفّس السياسة كما يتنفّس الخبز، بيتٍ مناضلٍ ضد كهنوت الإمامة، حيث الكلمة جريمة، والحلم مؤامرة.

في عزلة النقيلين، ناحية السياني، عام 1943م، وُلد زيد، والبلاد تعيش تحت ظل قهر لا يوصف

. أبوه، مطيع بن عبدالله دماج، واحدٌ من أولئك الذين كتبوا بأقلامهم ما لم يكن مسموحاً أن يُقال، فلاحقهم السجن، والمنفى، والتشرد. وحين لم يجد الإمام وسيلة لإخضاع الآباء، مد يده إلى الأبناء؛ رهائن صغار، بينهم زيد وأبناء عمومته. تلك الذاكرة الجارحة، وذلك السجن المبكر، لم يكونا عبئاً نفسياً فحسب، بل كانا المنبع السري لنهر سرده اللاحق، حيث صارت الطفولة جرحاً مفتوحاً، وصار الوطن سؤالاً لا يهدأ.

في 14 مايو 1944م، فرّ الأب من سجن «الشبكة» بتعز إلى عدن، وهناك كتب مقالاته الشهيرة في صحيفة «فتاة الجزيرة»، مؤسساً مع رفاقه «حزب الأحرار». كانت العائلة تدفع ثمن موقفها، وكان الطفل يتعلّم باكراً أن الحرية ليست كلمةً تُقال، بل حياة تُخاض.

توزّعت دراسة زيد بين تعز، ومصر. من المدرسة الأحمدية بتعز، حيث نال الابتدائية عام 1957م، إلى بني سويف ثم طنطا، حيث حصل على الإعدادية والثانوية. وفي القاهرة، التحق بكلية الحقوق عام 1964م، قبل أن تغلبه ميوله الأدبية فيحوّل وجهته إلى كلية الآداب – قسم الصحافة. غير أن اليمن ظل يناديه، فعاد دون أن يُكمل دراسته، ليبدأ فصلاً آخر من الحضور العام.

عام 1970م، انتُخب عضواً في مجلس الشورى، أول برلمان يمني منتخب، عن ناحية السياني، وتولى رئاسة لجنة الاقتراحات والعرائض وتقصي المظالم. تقلد مناصب سياسية ودبلوماسية، لكن البوصلة الحقيقية لروحه كانت الأدب.

حين أصدر مجموعته القصصية الأولى «طاهش الحوبان»، دخل زيد مطيع دماج المشهد القصصي بثقة الكاتب الذي يعرف من أين جاء، وإلى أين يريد أن يذهب. كان اسمه يقف في الصف الأول إلى جوار محمد أحمد عبدالولي، وأحمد محفوظ عمر، وحسين باصديق، وعبدالله سالم باوزير، وغيرهم من رواد القصة اليمنية الحديثة.

ثم جاءت «الرهينة»… الرواية التي لم تكن مجرد عملٍ سردي، بل وثيقة وجدانية وتاريخية عن عصر الإمامة. فيها تحوّل الطفل الرهينة إلى رمز، وتحوّل الصراع الفردي إلى مرآة لصراع شعبٍ بأكمله. كشفت الرواية عورة السلطة، وعرّت التخلف، ورفعت الرواية اليمنية من محليتها الضيقة إلى أفق العالمية، بلغةٍ جذابة، وبناءٍ فني محكم. لم يكن غريباً أن تُدرج ضمن أفضل مئة رواية عربية، وأن تُترجم إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والهندية والروسية والصربية، وأن تختارها اليونسكو ضمن مشروع «كتاب في جريدة».

رحل زيد مطيع دماج قبل أن يبلغ الستين، لكنه ترك ما يكفي ليظل حاضراً. ترك «طاهش الحوبان»، و**«العقرب»، و«أحزان البنت مياسة»، و«المدفع الأصفر»**، وروايته عن المدرسة الأحمدية. ترك أدباً مشبعاً بذاكرة السجن، وحنين القرية، وقلق الوطن.

لم يكتب زيد دماج من برجٍ عاجي، بل من قلب التجربة. كان ابن الرهينة، وابن الحرية في آنٍ معاً. وحين نقرأه اليوم، ندرك أننا لا نقرأ كاتباً غاب، بل نشهد زمناً ما زال يكتبنا بمرارته… وبأمله أيضاً.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

فيديو| من مواليد إثيوبيا عمل خادمًا في منزل “البيض” ثم اعتنق الأثنى عشرية.. من هو “أبو علي الحضرمي”؟

بران برس | 1274 قراءة 

تصعيد مرتقب… خالد سلمان يتحدث عن تحركات حاسمة في محافظتين

نيوز لاين | 690 قراءة 

عاجل: مصرع صهير زعيم الحوثيين وخبير المسيّرات.. تفاصيل بالأسماء لـ(5) القيادات البارزة

موقع الأول | 428 قراءة 

من يحرك الانتقالي في اليمن ومن عطّل تحرير صنعاء من الحوثيين؟ صحفي سعودي بارز يكشف المستور

المشهد اليمني | 422 قراءة 

عاجل: تطور خطير في حضرموت.. مواجهات مسلحة تسفر عن قتلى وجرحى

موقع الأول | 402 قراءة 

بيان سلام من أبوظبي ونار التصعيد مشتعلة في حضرموت

موقع الجنوب اليمني | 401 قراءة 

عاجل : بيان رقم ( 1 ) صادر عن وزارة الداخلية اليمنية

يمن فويس | 372 قراءة 

وزارة الداخلية اليمنية تصدر تحذيرًا هامًا وعاجلًا

بوابتي | 371 قراءة 

تحريض لعنصر من الانتقالي في عدن ضد أبناء "الشمال" وأبناء الخونة تثير غضبًا واسعًا ومطالبات بالمحاسبة ( فيديو)

يني يمن | 360 قراءة 

هاني بن بريك يكشف مصير أبناء المحافظات الشمالية في عدن

نافذة اليمن | 360 قراءة