شهدت محافظة سقطرى خلال عام 2025 تصاعدًا غير مسبوق في حجم التدخلات الإماراتية وأدواتها المحلية، في مشهد عكس انتقال هذه التدخلات من النفوذ غير المباشر إلى السيطرة الشاملة على مفاصل الحياة الاقتصادية والإدارية والأمنية، وسط صمت حكومي لافت وتجاهلٍ مريب من مجلس القيادة الرئاسي والسلطة الشرعية.
سيطرة اقتصادية وخصخصة المرافق
عملت الإمارات خلال عام 2025 بوتيرة متسارعة على إحكام قبضتها على المؤسسات الرسمية في الأرخبيل، عبر إحلال موظفين أجانب ومن جنسيات متعددة في عدد من المرافق الحيوية.
وفي 19 فبراير 2025، برز أخطر هذه التحركات باستحواذ الإمارات على مطار سقطرى الدولي ضمن صفقة أُبرمت بصورة غير قانونية مع وزير النقل في الحكومة المعترف بها دوليًا، عبدالسلام حميد، ومحافظ سقطرى رأفت الثقلي، وكلاهما محسوبان على المجلس الانتقالي الجنوبي، وبموافقة الهيئة العامة للطيران المدني.
وبموجب الصفقة، تم تسليم المطار لشركة إماراتية تُدعى "المثلث الشرقي"، مع استبدال كوادر المطار المحلية بعمال آخرين، الأمر الذي فجّر موجة غضب واسعة بين موظفي المطار وشخصيات ومكونات اجتماعية سقطرية، اعتبرت الخطوة خصخصة مرفق سيادي وتسليمه لشركة أجنبية في مخالفة صريحة لقوانين الطيران المدني اليمني.
*مطار عسكري تحت غطاء إنساني*
ولم تكتفِ الإمارات بالسيطرة على المؤسسات القائمة، بل مضت إلى إنشاء مرافق جديدة خارج الأطر القانونية؛ ففي فبراير ذاته، افتتحت مطارًا في جزيرة عبد الكوري التابعة للأرخبيل، في خطوة حاولت فيها إضفاء طابع "شرعي"عليها من خلال نقل وزير النقل ومحافظ سقطرى على متن طائرة تابعة لمؤسسة خليفة الإماراتية لحضور الافتتاح.
غير أن مصادر محلية كشفت أن الإمارات سبقت الحدث بأيام عبر إدخال أكثر من 100 مسلح من المرتزقة الأفارقة، تمركزوا في القاعدة العسكرية الإماراتية التي تضم المطار، الذي وُصف إعلاميًا بـ"المطار الغامض"؛ إذ تقتصر مهامه – وفق تقارير – على نقل معدات عسكرية ثقيلة، كما أنه غير مدرج ضمن سجلات المطارات العالمية.
*عبث بالمشتقات النفطية وتضييق معيشي ممنهج*
في الجانب الاقتصادي والمعيشي، أدارت الإمارات – عبر شركة "أدنوك"– ما وصفه مراقبون بعبث غير مسبوق في سوق المشتقات النفطية؛ ففي فبراير 2025، وصل سعر صفيحة البنزين (20 لترًا) إلى 44 ألف ريال يمني، فيما بلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي 27 ألف ريال، ما أثار سخطًا شعبيًا واسعًا.
وحينها وصف مؤتمر سقطرى الوطني هذا الارتفاعا بـ"غير المبرر منطقيًا"، محملًا الدولة والسلطة المحلية مسؤولية الغياب الكامل عن ضبط السوق وحماية المواطنين.
وتحدثت تقارير محلية عن فرض الشركات المملوكة لـ"أبوظبي" أسعارًا مرتفعة على السلع الأساسية، ما فاقم من معاناة السكان، في ظل ظروف اقتصادية صعبة عاشتها سقطرى طوال العام.
ويرى مراقبون أن هذا التضييق المعيشي في خدمات المياه والكهرباء والنقل، يندرج ضمن سياسة تجفيف الموارد واستخدامها كورقة ضغط على المجتمع المحلي والقيادات السقطرية بما يخدم الأجندة الإماراتية.
*عسكرة الأرخبيل التجنيد*
على الصعيد الأمني، وضمن مسار عسكرة الأرخبيل المسالم، كثّفت مليشيا المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيًا من عمليات التجنيد مستغلة تردي الأوضاع المعيشية.
ففي مطلع أكتوبر 2025، نفذت المليشيا دورات تجنيد جديدة – بحسب إعلامها –لمنتسبي ما يسمى بالقوات الخاصة والأمن العام، بحضور قيادات عسكرية قدمت من خارج المحافظة، وبإشراف مباشر من قائد القوات الخاصة المدعو فضل باعش.
وأفادت مصادر محلية بأن غالبية المجندين هم من طلاب المدارس والمنقطعين عن التعليم، الذين اندفعوا للالتحاق بالتشكيلات العسكرية طمعًا في الحوافز المالية، بعد انسداد سبل العيش أمامهم.
*تجنيد الأطفال* ... أخطر فصول الحصاد
واختتمت مليشيا الانتقالي عام 2025 بتطور خطير في جانب العبث والسيطرة؛ إذْ كشفت مصادر محلية عن تجنيد الانتقالي للأطفال بالتزامن مع إعلانها تشكيل محور عسكري في سقطرى.
المصادر المحلية أكدت أن المليشيات وعدت الأهالي بدفع مبلغ ألف درهم إماراتي كحافز شهري لتحرم الأطفال من تعليمهم، وترمي بهم في مخاطر التجنيد غير الرسمي.
*استنزاف الموارد*
وشهد أرخبيل سقطرى خلال عام 2025 تصاعدًا مقلقًا في الأزمة البيئية والاقتصادية، في ظل توسّع أنشطة شركات إماراتية عملت بوتيرة عالية وبغطاء مباشر من السلطة المحلية الموالية لـ"أبوظبي"، ما أدى إلى استنزاف ممنهج للموارد الطبيعية، خصوصًا الثروة البحرية التي تُعد الشريان الأساسي لمعيشة سكان الأرخبيل.
مصادر محلية أفادت بأن هذه الشركات استحوذت على مساحات واسعة من مناطق الصيد، ومارست عمليات صيد مكثفة لأنواع بحرية نادرة، أبرزها التونة والتمد والجبار، خارج مواسم الصيد، الأمر الذي تسبب في تراجع حاد بكميات الأسماك وقلّص الحصص المتاحة للصيادين المحليين، مهددًا مصدر رزق آلاف الأسر.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن بعضًا من هذه الشركات عملت دون أطر قانونية أو رقابية واضحة، فيما جرى تصدير كميات كبيرة من الأسماك إلى الأسواق الخارجية بعد تعليبها في مصنع "برايم"، في وقت أُجبر فيه الصيادون المحليون على بيع صيدهم بأسعار متدنية، وسط حرمانهم من فرص الاستثمار أو الشراكة في مصانع الإنزال السمكي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان الأرخبيل من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وغياب شبه كامل للبنية التحتية، وانعدام متطلبات الحياة اليومية، شهدت محافظة سقطرى استنزافًا واسعًا لمخصصاتها المالية؛ إذْ تم – وفق مصادر مطلعة – توجيه عشرات الملايين من إيرادات المحافظة لتمويل أنشطة اعتصامات وتحشيد سكاني، تُرفع خلالها مطالب سياسية تتعلق بإعلان الانفصال، على حساب الاحتياجات المعيشية والتنموية للسكان.
ورغم تكثيف المحاولات الإماراتية لإخضاغ الأرخبيل، لا يزال أبناؤه يتمتعون بيقظة كبيرة تجاه هذا العبث الممنهج الذي تمارسه الإمارات عبر أدواتها المتمثلة بمليشيا الانتقالي، يؤكد ذلك فشل الفعالية التي دعت إليها مليشيا الانتقالي مؤخرًا- الداعية إلى الانفصال-، رغم لجوء المليشيات إلى دفع مبالغ طائلة وضغطها في سبيل إحضار المواطنين تحت التهديد بشطبهم من كشوف الحوافز الشهرية التي تقدمها الإمارات.
وبينما تتعرض الجزيرة الفريدة بيئيًا واجتماعيًا لضغوط غير مسبوقة، يواصل أبناؤها إظهار قدر عالٍ من الوعي ورفض تحويل سقطرى إلى ساحة نفوذ وصراع إقليمي، في معركة مفتوحة بين إرادة المجتمع المحلي، ومشاريع الهيمنة المفروضة عليه بالقوة والمال.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news