مغامرات الانتقالي شرقاً.. قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية

     
بران برس             عدد المشاهدات : 111 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
مغامرات الانتقالي شرقاً.. قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية

لا يقتصر تأثير الفراغ السياسي وإدارة الملف السياسي اليمني وتعقيداته عن بُعد، وكذا استمرار حالة التعقيد وغياب الحسم العسكري أو السياسي الشامل، على التوازنات الإقليمية والمحلية، بل فاقم التكلفة البشرية والاقتصادية للقضية اليمنية.

ومع وصول المؤشرات المعيشية إلى انهيار شبه كامل، نتيجة توقف صادرات النفط والغاز، والانقسام في مؤسسات الدولة، باتت القضية اليمنية أمام ضغط إضافي يتمثل في ضرورة إيجاد صيغة تضمن استئناف عجلة الحياة الاقتصادية وإغاثة ملايين اليمنيين المتضررين والمشردين شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. 

هذا يفرض على المجتمع الدولي والإقليمي دعم مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بالشكل المطلوب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والضغط على الحوثيين بالاستجابة لقرارات المجتمع الدولي.

التحرك شرقًا وأثره على الحكومة والتحالف

أعادت التطورات الأمنية والسياسية المتسارعة في محافظة حضرموت خلال الأسابيع الأخيرة، تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات في الملف اليمني، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التحركات تعكس تباينات ظرفية في إدارة التفاصيل الميدانية، أم مؤشرات أعمق على تحوّل في مسار التحالف الذي قادته الرياض منذ عام 2015.

وباتت حضرموت والمهرة بحدودهما مع السعودية وسلطنة عُمان، وبثقلهما الجغرافي والأمني، تمثلان ساحة اختبار حساسة لمعادلات النفوذ بين القوى المناهضة لجماعة الحوثي. 

كما مثلت هذه التحركات وما تلاها من مواقف لأتباع الانتقالي داخل الحكومة تهديدًا مباشرًا على وحدة المجلس والمركز القانوني للدولة، سيما وأن مسؤولين في الحكومة تجاوزوا مهامهم الوظيفية، واتخذوا مواقف مساندة للمجلس الانتقالي بينهم وزراء ونواب وزراء.

وقد اعتبرت الرئاسة البيانات والتصريحات الصادرة عن بعض الوزراء والمسؤولين التابعين للانتقالي في الحكومة “تجاوزات تمس وحدة القرار”، وتحاول فرض سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية. داعية الانتقالي إلى تغليب الحكمة، ولغة الحوار، وتجنيب الشعب اليمني، والمصالح العليا للبلاد، والأمن الإقليمي والدولي، “تهديدات غير مسبوقة”.

ومع ذلك، اعتبر مراقبون هذا البيان الرئاسي هزيلاً وضعيفاً وليس بحجم ما تقتضيه الأحداث والخطوات الخطيرة التي اتخذها الإنتقالي، وكان لزاماً عليه اتخاذ قرارات حاسمة أكثر تأثيراً وقوة وصرامة، مطالبين بإيقاف فوري لهذه التجاوزات التي تهدف إلى تشطير اليمن وتشظي البلاد، ومضاعفة معاناة الشعب اليمني، وهذه التطورات بحد وصفهم بمثابة خدمة مجانية لجماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا.

التداعيات الإقليمية لتوسع الانتقالي

اتسمت العلاقة السعودية– الإماراتية في الملف اليمني منذ عام 2015، بدرجة عالية من التنسيق السياسي والعسكري ضمن التحالف الذي قادته الرياض لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في مواجهة جماعة الحوثي المصنفة دولياً على قوائم الإرهاب. غير أن إطالة أمد الصراع وتراكم تطوراته الميدانية والسياسية أفرزا تباينات متزايدة في مقاربات إدارة الملف، برزت بشكل أوضح منذ عام 2019، مع إعادة انتشار القوات الإماراتية وتحول استراتيجيتها نحو دعم قوى محلية فاعلة في جنوب اليمن.

ولا يمكن فصل هذه التباينات عن التحولات الأوسع التي شهدتها المنطقة منذ عام 2022، حيث دخلت مرحلة إعادة تموضع استراتيجي فرضتها كلفة الصراعات الممتدة، وتصاعد الضغوط الاقتصادية، وتبدل أولويات الأمن القومي. 

وقد دفع ذلك دولًا محورية، وفي مقدمتها السعودية، إلى تبنّي مقاربات تقوم على خفض التصعيد وتحييد الجبهات المفتوحة، ضمن رؤية أوسع لإعادة ترتيب الأولويات التنموية والأمنية، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع جماعة الحوثي. ولا يُنظر إلى تجنب الحروب طويلة الأمد بوصفه خيارًا سياسيًا فحسب، بل باعتباره مصلحة عملية تمليها اعتبارات الاستقرار الداخلي والإقليمي.

وفي هذا السياق، تعددت القراءات التي تتناول العلاقة بين الرياض وأبوظبي من زاوية التنافس على النفوذ، لاسيما في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل عدن، شبوة، حضرموت، وسقطرى، بالتوازي مع إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في الجنوب.

وأفضى هذا المسار إلى طرح تساؤلات متزايدة حول طبيعة هذا التباين، وما إذا كان يندرج ضمن اختلاف في توزيع الأدوار داخل إطار تحالفي واحد، أم يعكس تباينا أعمق في المصالح والرؤى الاستراتيجية حيال مستقبل اليمن.

منظور دولي

أشارت دراسات صادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن الإمارات أعادت خلال السنوات الأخيرة معايرة تموضعها في اليمن باتجاه نموذج نفوذ يقوم على الشراكات المحلية وإدارة نقاط الارتكاز الاستراتيجية، ولا سيما السواحل والموانئ وخطوط الملاحة. وأوضحت أن هذا التحول لا يعكس انسحابًا بقدر ما يعكس انتقالًا من التدخل العسكري المباشر إلى نفوذ شبكي طويل الأمد، يركز على أمن الممرات البحرية، وهو ما يخلق تباينًا في الأدوات والأولويات مع المقاربة السعودية، حتى وإن بقي الطرفان ضمن سقف سياسي معلن واحد.

وتزداد حساسية هذه التحولات في ظل السياق الدولي المرتبط بأمن الملاحة في البحر الأحمر، حيث أدى تصاعد الهجمات الحوثية على حركة الشحن الدولي منذ أواخر عام 2023 إلى إعادة إدراج اليمن ضمن أولويات الأمن البحري العالمي، ودفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تدخلات عسكرية مباشرة. 

هذا التطور جعل استقرار المناطق الساحلية والشرقية لليمن جزءا من معادلة دولية تتجاوز التوازنات الداخلية، وفرض ضغوطًا إضافية لمنع انزلاق معسكر القوى المناهضة للحوثيين إلى صراعات جانبية قد تعقّد جهود الاحتواء. 

وفي هذا السياق تمثل حضرموت مع التطورات الأخيرة ساحة اختبار دقيقة لإعادة تشكيل النفوذ داخل الجنوب، إذ تعكس التوترات حولها تباينات داخل المعسكر المناهض للحوثيين أكثر مما تعكس صدامًا مباشرًا بين داعميه الإقليميين. ويعزز هذا الرأي وصول وفد سعودي إماراتي مشترك إلى عدن ضمن جهود مشتركة لترتيب الأوضاع الأمنية ومنع التصعيد، بما يخدم استقرار حضرموت والمهرة.

وبموازاة ذلك، تواصل الرياض، بالتنسيق مع مسقط، لعب دور محوري في دفع مسار الوساطة بين الحوثيين والحكومة الشرعية، وهو مسار تعزز بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي خلال الحوار اليمني الذي عقد تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. 

وبناء على ذلك، يمكن القول إن المشهد الراهن يعكس تباينات في إدارة التفاصيل أكثر مما يعكس خلافًا جوهريًا بين الرياض وأبوظبي، في ظل استمرار التزام الطرفين بسقف الحل السياسي ودعم الشرعية.

الانتقالي والإشكالية البنيوية

يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أبرز الفاعلين الذين أعادوا تشكيل معادلات القوة في جنوب اليمن منذ عام 2017، بوصفه كيانًا سياسيًا نشأ في سياق تراكم احتجاجات جنوبية تبلورت سياسيًا مع الحراك الجنوبي منذ عام 2007.

وجاء تأسيس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي، في لحظة اتسمت بفراغات سياسية وأمنية واسعة في الجنوب، وتراجع فعلي لقدرة الحكومة على بسط نفوذها أثناء حكم الرئيس هادي. وأتاح هذا الفراغ لقوى محلية مدعومة ومنظمة كالانتقالي أن تملأ المساحة المتروكة، ما جعل إشكالية السلطة في الجنوب انعكاسًا لأزمة نظام حكم أكثر من كونها نتيجة تحركات فاعل واحد.

وشهد مسار الانتقالي تحولًا نوعيًا مع انخراطه لاحقًا ضمن مؤسسات السلطة عبر مشاركته في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وهذا الانتقال من موقع الاحتجاج والتمرد الواضح إلى موقع الشراكة أفرز إشكالية بنيوية تتعلق بتناقض الأدوار بين كونه فصيلًا يحمل مشروعًا سياسيًا خاصًا، وبين كونه جزءًا من منظومة شرعية يفترض بها الالتزام بوحدة القرار السياسي والعسكري.

وتجلت هذه الإشكالية بوضوح في التحركات العسكرية الأخيرة للمجلس، وتحديدًا في حضرموت والمهرة، حيث وسع نطاق نشاطه خارج معاقل نفوذه التقليدية. وتكتسب هذه المحافظة حساسية إضافية في الحسابات السعودية، نظرًا لارتباطها المباشر بأمن الحدود الجنوبية للمملكة.

ولهذا، فإن مخاوف الرياض لا تقتصر على التوازنات السياسية المحلية، بل تمتد إلى احتمالات الفراغ الأمني ومسارات التهريب، وهو ما يفسر حرصها على التعامل بحذر مع أي تحولات ميدانية مفاجئة في هذه المناطق.

ومحليًا، يرى مراقبون أن ما جرى في حضرموت يمثل عبثًا سياسيًا، وأن مجلس القيادة الرئاسي لم يرتكب خطأً فحسب بقدر ما ارتكب خطيئة سياسية، إذ لا يمكن اختزال الجنوب في فاعل واحد. كما أن القضية الجنوبية ما تزال مفتوحة على مسارات الحوار، وبالتأكيد هذه التصرفات الأحادية لا تخدم القضية، بل تضعفها. ويُلاحظ أن الموقفين السعودي والإماراتي متوافقين في رفض فرض الأمر الواقع بالقوة، والتأكيد على أن حل القضية الجنوبية لا يمكن أن يتم إلا عبر التفاوض السياسي ضمن تسوية يمنية شاملة.

وإجمالًا، هذه التحركات والمغامرات أصابت الشعب اليمني شمالاً وجنوباً بخيبة أمل، فبينما كان ينتظر التخلص من جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا، وإنهاء المعاناة الإنسانية، بات عليه أن يستعد لمعاناة مضاعفة مع انقلاب آخر على الشرعية جنوبًا، وهنا يجد نفسه بين مطرقة الحوثي وسندان الانتقالي.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تفاصيل معسكرات سرية يمنية بإشراف الـ CIA.. هل بدأت ساعة الصفر للقضاء على هذه القوات!

صوت العاصمة | 1705 قراءة 

سياسي كويتي يزف بشرى سارة لابناء الجنوب

صوت العاصمة | 1188 قراءة 

صـدور قرار تعيين جديد

كريتر سكاي | 1009 قراءة 

محافظ حضرموت في الرياض يصدر تعليمات مناهضة لخيارات شعب الجنوب وسط تأييد شامل للقيادة الجنوبية

الأمناء نت | 809 قراءة 

قوات درع الوطن تتسلم نقاط تفتيش بوادي حضرموت وتتجه نحو الخشعة..والانتقالي ينصب المتاريس - [فيديو]

بوابتي | 666 قراءة 

اتفاق مسقط لتبادل الأسرى والمختطفين بين الحكومة والحوثيين.. تفاصيل الأرقام وآليات التنفيذ

حشد نت | 591 قراءة 

لن ترحم أحد.. فلكي يمني يحذر من الايام القادمة

نافذة اليمن | 541 قراءة 

اول موقف رسمي للسعودية من اتفاق اليمن الجديد

نافذة اليمن | 526 قراءة 

الامارات تعلن موقفها الرسمي من تقرير المصير بجنوب اليمن

صوت العاصمة | 471 قراءة 

تصريح جديد للعميد طارق صالح

موقع الأول | 436 قراءة