انديرا غاندي ترجو صدام ان يلتقي تاتا
قبل 1 دقيقة
للفترة من 19 إلى 21 ديسمبر عام 1983 قام الرئيس الراحل صدام حسين بزيارته الثانية الى دلهي لحضور قمة عدم الانحياز السابعة بعد زيارته الاولى لها في عام 1974 بصفته نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة والتقى خلالها رئيسة وزراء الهند الراحلة انديرا غاندي واسست تلك الزيارة لعلاقات متينة من الصداقة والتعاون بين البلدين مثلما اسست لصداقة شخصية بين صدام حسين وانديرا غاندي التي بقيت وفية لهذه العلاقة حتى مصرعها في الحادثه المعروفة.
وقبيل الزيارة المقررة ذهب وفدا امنيا ودبلوماسيا عراقيا مهما للتعرف عن قرب عن طبيعة الاجراءات الامنية المتخذة لتامين الزيارة واماكن الاقامة وجدول الزيارة سيما وانها كانت خلال الحرب العراقية الإيرانية وما صاحبها من اخطار امنية، وقد لاحظ الوفد الامني مع ضخامة حركة السكان المعتادة في بلد مثل الهند انتشار اعداد كبيرة من عربات بيع اطعمة ومشروبات وبضائع على امتداد الطريق من المطار حتى مقر اقامة الرئيس فعرض الملاحظة على رئيس جهاز الامن الهندي بان ذلك يشكل نوافذ خطرة ليتفاجا الجانب العراقي بجواب المسؤول الهندي بان جميع هؤلاء هم وكلاء ومخبرون مسجلون لدى جهاز الامن !!! وعموما قدمت نيودلهي تسهيلات امنية مفتوحة لجهاز المخابرات العراقي والامن الخاص بالسماح بانتشار حوالي 500 رجل أمن عراقي مسلح بالبنادق وحتى قاذفات الار بي جي على امتداد طريق المطار برفقة رجال امن هنود من فرقة الحمايات القصوى.
كان جدول أعمال الرئيس صدام مزدحما عندما اخبر سفيرنا في دلهي عدنان العبيدي الرئيس بطلب لقاء تقدم به رجل أعمال هندي اسمه تاتا، ولم يكن الرئيس على معرفة بحجم تاثير هذا الرجل فاعتذر للسفير بسبب ضيق الوقت ولكن في الليلة ذاتها اتصلت السيدة انديرا غاندي رئيسة الوزراء هاتفيا بمقر اقامة الرئيس صدام لترجوه بشكل خاص ان يلبي طلب تاتا باللقاء وقالت ضاحكة سيادة الرئيس هذا الرجل هو أهم مني في الهند.!
حضر تاتا الذي ينتمي الى الطائفة البارسية والتقى صدام وبعد التحيات تقدم بطلب السماح له للقيام بترميم وصيانة بعض المعابد والاثار التي تعود للديانة الزرادشتية في شمال العراق وطاق كسرى جنوب بغداد والتي ينتمي لها اكبر رجل اعمال هندي هو السيد راتال نافال تاتا رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات تاتا العالمية للسيارات والتي تمتلك علامات تجارية شهيرة مثل سيارات جاكوار ولاندروفر. واظن ان الطلب ضاع وسط تداعيات الحرب في العراق.
ولا بد لي وخلال اقامتي في الهند من ذكر بعض معلومات لا باس بها فالبارسيون في الهند يشكلون مجموعة عرقية دينية من الزرادشتيين الذين هاجروا من بلاد فارس ايران قبل الف عام بعد الفتح الاسلامي واستقروا في غرب الهند وخصوصا في مدينة بومباي عاصمة الاقتصاد الهندي واشتهروا بانهم تجار وصناعيون ورجال أعمال ناجحون ولعبوا دورا كبيرا في الاقتصاد الهندي على الرغم انهم لا يشكلون اقل من واحد بالمئة من سكان الهند ومنهم تاتا مؤسس صناعة السيارات المعروفة تاتا واحد ابرز شخصياتهم.
وذكر لي صديق هندي استاذ في جامعة جواهر لآل نهرو قصة طريفة لا أعلم عن مدى دقتها ولكنها شائعة في المجتمع الهندي بان البارسيون عندما وصلو إلى بومباي توجس منهم ملك البلاد وقتذاك فبعث اليهم قدرا كبيرا من الحليب ولما هم الغرباء بشربه منعهم رئيسهم من ذلك وقام بطلب كيس من السكر وسكبه في القدر وبعد ان تأكد من ذوبانه جيدا في القدر طلب من اصحابه ان يرجعوا القدر كما هو إلى ملك او رئيس الهندوس والذي كان على حكمة عالية فتذوقه ووجده حلوا فارسل الى رئيس البارسيون ورحب به وبجماعته للعيش في الهند وكانت رسائل الحليب ذات محتوى ملهم إذ ان ملك الهندوس اراد ان يقول لرئيس البارسية نحن ديانة نقية مثل الحليب الابيض ولا نريد لغرباء ان يلونوننا وجاءه جواب البارسيون ونحن سنكون مثل السكر نذوب في الحليب لا نغير لونه ولكن نعطيه طعما حلوا.
كاتب واكاديمي من العراق
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news