يمن إيكو|أخبار:
يتصاعد التوتر بين واشنطن وكاراكاس على وقع لهجة أمريكية أكثر حدّة، مع انتقال الضغوط من مربع العقوبات الاقتصادية إلى التهديد الصريح بإجراءات عسكرية وحصار بحري، في مشهد يعيد إلى الواجهة سؤال التاريخ حول الأطماع الأمريكية في ثروات فنزويلا التي تعد واحدة من أكبر دول العالم امتلاكاً لاحتياطيات الطاقة (النفط والغاز).
وفي أحدث فصول هذا المسار التصعيدي، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمسّك بلاده باستمرار الحصار البحري على فنزويلا، بزعم استعادة “نفط وأصول سُرقت” من الولايات المتحدة، محذراً من ضربات برية محتملة، تحت شعار الحرب ضد شبكة تهريب المخدرات، وهو خطاب اعتبرته كاراكاس عدوانياً ومخالفاً لقواعد القانون الدولي، ما دفع بالحكومة الفنزويلية إلى دق ناقوس الخطر لدى الأمم المتحدة وأوبك بشأن تداعيات هذا النهج الاستبدادي على الاستقرار الإقليمي.
وفيما نشر الرئيس الأمريكي ترامب على منصته “تروث سوشيال”: إن على فنزويلا إعادة “النفط والأراضي وغيرها من الأصول التي سرقوها منا سابقاً إلى الولايات المتحدة”، قال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إن ترامب زعم “بشكل غير مقبول أن النفط والموارد الطبيعية والأراضي الفنزويلية ملكٌ له”، واصفاً التصعيد الأمريكي في الخطاب والتحركات بأنه “جزء من دبلوماسية همجية تُخالف مبدأ التعايش الدولي”.
وفي حديثه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، حذر مادورو من “تأثير التهديدات الأمريكية على السلام الإقليمي”، كما اتهم في رسالة سابقة إلى منظمة “أوبك” الولايات المتحدة فيها بالسعي إلى الاستيلاء على احتياطيات فنزويلا النفطية بالقوة.
ويثير هذا التصعيد تساؤلات أوسع حول جذوره الحقيقية، وحدود ارتباطه بتاريخ طويل من الأطماع الأمريكية في ثروات فنزويلا النفطية ومواردها الاستراتيجية، وهل تمثل هذه اللغة التصعيدية فصلاً جديداً من صراع قديم على الطاقة والنفوذ، أم إعادة إنتاج لسياسات الهيمنة التي رافقت تعامل واشنطن مع ثروات أمريكا اللاتينية لعقود؟
تاريخ الأطماع الأمريكية
تعود أطماع الولايات المتحدة في فنزويلا إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين تدخلت واشنطن في نزاع حدودي مع بريطانيا، مستندة إلى “مبدأ مونرو” لضمان مصالحها في نصف الكرة الغربي، مما شكل أول تدخل كبير في شؤون المنطقة، على خلفية هذا المبدأ الذي يشير إلى عقيدة السياسة الخارجية الأمريكية التي أطلقها خامس رؤساء أمريكا “جيمس مونرو” عام 1823م، وتنص على أن أي محاولة من الدول الأوروبية لاستعمار الأراضي أو التدخل في شؤون دول المنطقة ستعتبرها واشنطن عملاً عدائياً يتطلب تدخلاً أمريكياً.
ومع اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين، بدأت الشركات الأمريكية بالاستثمار المكثف في فنزويلا، واستحوذت على جزء كبير من قطاع النفط، ما منح واشنطن نفوذاً اقتصادياً استراتيجياً على موارد البلاد.
وفي منتصف القرن العشرين، دعمت الولايات المتحدة أنظمة موالية لها للحفاظ على مصالحها النفطية، لكنها انقلبت لاحقاً على بعض تلك الأنظمة، ما يعكس سياسة “النفوذ مقابل الولاء” المستمرة والتي تطبقها على معظم بلدان العالم الغنية بالنفط كدول الخليج العربي.
فنزويلا والصدمات الاقتصادية
شهدت فنزويلا فترات ديمقراطية لكنها واجهت صدمات اقتصادية عميقة دفعت بالبعض للتمرد ضد النفوذ الأمريكي، خاصة مع ظهور قوى مناهضة لواشنطن مثل هوغو شافيز الذي فاز بصورة مفاجئة في انتخابات شهدتها البلاد في 1998م، حيث يعود له فضل تأسيس الثورة البوليفارية، التي تحدت النفوذ الأمريكي.
شكل تأسيس الثورة البوليفارية، في فنزويلا نقطة تحول غير مسبوق في تاريخ البلاد السياسي، إذ عززت علاقاتها الدولية مع دول مناهضة للسياسة الاستعمارية الأمريكية مثل كوبا وروسيا وإيران والصين، ما دفع بواشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية متزايدة، متهمة النظام بانتهاك حقوق الإنسان والأنشطة المناهضة للديمقراطية.
احتياطيات فنزويلا من الطاقة
لم يكن التصعيد الأمريكي الأخير على فنزويلا من فراغ، فالبلاد تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم يقدر بنحو 303 مليارات برميل، بالإضافة إلى احتياطي غاز كبير وأراضٍ زراعية خصبة، ما يجعلها هدفاً استراتيجياً لكل القوى الكبرى، وهذا هو السبب الأول والأخير للتصعيد الأمريكي.
ورغم ضخامة الاحتياطيات، في البلاد، يظل الإنتاج النفطي اليومي محدوداً نحو مليون برميل، ما يعكس تأثير العقوبات على حركة الاستثمارات النفطية في البلاد.
وتعد الصين أكبر مستورد للنفط الفنزويلي بما يزيد على 600 ألف برميل يومياً، تليها الولايات المتحدة وأوروبا والهند، ما يوضح الأهمية الاستراتيجية للموارد الفنزويلية على المستوى العالمي، الأمر الذي أجج الأطماع الأمريكية لابتلاع هذه الثروة.
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قال في شهر نوفمبر الماضي: إن ” “فنزويلا تُستهدف لأنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، ورابع أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، وأكثر من 30 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة”، وأضاف “لو لم تكن لدينا هذه الثروات ولم نكن في موقع استراتيجي لما ذكر أحد اسم فنزويلا”.
تداعيات الحصار الأمريكي
الحصار الأمريكي والتهديدات العسكرية المتكررة أثرت مباشرة على الاقتصاد المحلي، إذ يشكل النفط أكثر من 80% من صادرات البلاد 17% من الناتج المحلي الإجمالي، ما وضع البلاد أمام أزمة إنسانية حادة مع انخفاض أسعار الوقود وسوء الإدارة الاقتصادية، ما أدى إلى نقص الغذاء والدواء وهجرة ملايين السكان، مع تراجع القوى العاملة بشكل ملموس.
هذه البيئة والأزمة الإنسانية الصعبة في هذا التوقيت، أغرت إدارة أكثر رؤساء الولايات المتحدية مادية وجنوناً، الرئيس دونالد ترامب، بالتصعيد العسكري طمعاً في الاستيلاء والسيطرة على الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز، بما يتيح للشركات الأمريكية استخراج الخام بتكلفة زهيدة وتحقيق نفوذ عالمي أكبر.
الأزمات المصطنعة
يعيش الشعب الفنزويلي في ظل أزمات مصطنعة من حصار اقتصادي وسياسي، حيث تدهورت قيمة العملة المحلية وفقدت القطاعات الحيوية الدعم، في مقابل تكدس الاحتياطيات الهائلة في باطن الأرض.
ومع تصاعد مؤشرات المواجهة، التي قد تنزلق إلى صراع عسكري مباشر، بات الخطاب الأمريكي أكثر انكشافاً، إذ تُغلَّف التهديدات بمبررات مكافحة المخدرات وحماية الأمن الإقليمي، بينما تُقرأ في جوهرها- خطاباً وتحركات وإجراءات- بأنها محاولة للسيطرة على النفط والمعادن الاستراتيجية.
وفي المحصلة، تبقى فنزويلا الغنية بالموارد تحت ضغط مستمر، فيما يعاني شعبها أزمة إنسانية واقتصادية خانقة، بينما تتواصل الأطماع الأمريكية في رسم المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي، في تأكيد جديد لنهج الهيمنة والاستحواذ الأمريكي على الثروات، الذي لم يقتصر على فنزويلا وحدها، بل شمل دولاً أخرى مثل غواتيمالا وتشيلي وبنما والعراق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news