عبر التاريخ، شكلت اليمن ملتقى للحضارات والغزاة، من الأحباش والفرس إلى العثمانيين. وعلى الرغم من بطولات بعض الأفراد والجماعات، يظل النمط السائد في الشمال أنه لم يدافع عن أرضه باستمرار بمفرده، بل اعتمد على الحماية الخارجية. هذا لم يكن ظرفًا عابرًا، بل سمة تاريخية متكررة منذ عهد الملك بن ذي يزن، الذي لجأ إلى التحالفات لمواجهة الغزاة، وهو ما كرّس نمطًا استند إلى الاعتماد على الغير في حماية الوطن بدل المواجهة المباشرة.
في العصر الحديث، تجسدت هذه الحقيقة بأوضح صورها. فقد ترك بعض سكان الشمال صنعاء للانقلابيين وانتقلوا إلى السعودية طلبًا للحماية، معتمدين على قوى خارجية لصد الاعتداءات. والآن، وبغض النظر عن هذا التاريخ، يُطالب الجنوبيون الذين احتل الشمال أرضهم وسيادتهم أن يكونوا خط الدفاع عن الشمال. هذا الطلب لا يعكس فقط غياب العدالة والتقدير للتاريخ والواقع السياسي، بل يضع الضحايا في موقف أخلاقي مستحيل، حيث يُطلب منهم التضحية من أجل من لم يحمِ نفسه ولم يعترف بحقوقهم.
إن المجتمع الدولي والتحالف العربي، مع مثقفيهما وصناع القرار، يظهرون ازدواجية صارخة في المعايير. ففي الوقت الذي يغضون فيه الطرف عن انتهاكات الاحتلال الشمالي للجنوب، ويهملون الاعتراف بالدولة الجنوبية وحقوقها السيادية، يُطالبون سكانها بأن يحافظوا على الشمال ويحموا أهله. هذا التناقض يكشف عن غياب العقل العادل، وضعف الالتزام بالمبادئ الإنسانية والحقوقية.
إن الجانب الحقوقي والتاريخي يؤكد:
1- الجنوب لا يمكنه الدفاع عن الشمال دون إنصاف ودون الاعتراف بدولتن وبسيادته على كافة أراضيه.
2- أي مطالبة من هذا النوع تنتهك مبادئ العدالة الدولية، إذ لا يجوز تحميل شعب ضحايا الاحتلال (الجنوب) مسؤولية حماية من لم يدافع عن نفسه (الشمال) تاريخيًا.
3- التاريخ يوضح أن الشمال اعتمد دائمًا على الغير في الحماية، من الفرس إلى الأحباش، ثم العثمانيين، وصولًا إلى الدعم السعودي الحديث، مما يثبت أن الواقعية ترفض تحميل الجنوبيين مسؤولية غير عادلة.
إن الرسالة الموجهة إلى المجتمع الدولي والتحالف العربي ومثقفيهما هي واضحة:
* العدالة والإنصاف ليست شعارات تُرفع في المؤتمرات، بل معايير يجب أن تُترجم إلى سياسات عملية.
* الاعتراف بحقوق الدولة الجنوبية وسيادتها هو شرط أساسي لأي دعوة للسلام والأمن في اليمن.
* مطالبة الجنوبيين بحماية الشمال دون الاعتراف بحقوقهم تكرس ازدواجية المعايير وتؤجج الانقسامات التاريخية والاجتماعية.
أيها العقلاء، في التحالف العربي، والمجتمع الدولي، قبل أن تطلبوا من الجنوبيين الدفاع عن الشمال، توقفوا عند الحقائق التاريخية والسياسية والحقوقية، التاريخ شاهد على نمط الشمال في الاعتماد على الغير، العدالة تنادي بعدم تحميل الضحايا ما لم يرتكبوه، والمنطق يرفض ازدواجية المعايير. لا يمكن لشعب محتَل أن يكون حاميًا لمن لم يحم نفسه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news