ليس من اليوم، بل منذ أكثر من عقد ينزف الإصلاح بصمت، سواءً في تعز أو في المحافظات الأخرى، وفي مشاهد مؤلمة متكررة يودع قياداته وأفراده الذين يرتقون ضحايا لعمليات إرهابية تتنوع طرقها ومسمياتها، لكنها تصب في هدف واحد؛ يتمثل في إيقاع أكبر قدر من الوجع في صفوف الحزب الذي فشلت كل المحاولات لوأده أو جره إلى دائرة العنف المضاد، وظل متمسكاً بطابعه المدني السلمي باعتباره كياناً سياسياً خالصاً، لكنه يدفع ثمناً باهظاً لحملات تحريض ممنهجة؛ ينزعج ممولوها من حالة الحضور السياسي الفاعل للإصلاح، وقدرته الفائقة على التغلب على جراحاته النازفة، ومواصلة التربع على رأس المشهد السياسي اليمني في مرحلة أقل ما توصف به أنها حساسة ومعقدة.
في تعز، ومنذ اغتيال القيادي "صادق منصور" في العام 2014، توالت عمليات الاغتيالات بحق قيادات وأعضاء من مختلف المستويات التنظيمية للحزب، وكان آخرها التفجير الإرهابي الذي رحل على إثره اثنان من القادة السياسين الميدانيين (الشراعي ومغلس)، وبقدر الوجع على رحيل هؤلاء ومن سبقهم، فإن الدم النازف من الصف الإصلاحي يمثّل أرقى منازل التضحية في سبيل القيم التي يحملها هذا الحزب الرائد، وعلى رأسها الروح الوطنية الصادقة التي ظل الإصلاحيون يمتشقونها في مواجهة كل العواصف التي أُريد لها أن تحرف مسارهم.
نحن بشر ضعفاء ولسنا أحجاراً، وفي كل جولة فقدان تسبقنا دموعنا ونحن نهيل التراب على رفاق تشاركنا معهم الجلسة واللقمة والهمة، وتزداد أحزاننا حين ندرك أنهم رحلوا وهم في ذروة العطاء والإنجاز، ولا تزال لديهم الطاقات لتقديم المزيد سواءً في مؤسسات الخدمة العامة أو مواقع العمل السياسي، وبرحيلهم يفتقد الوطن كوادر فاعلة، يخسرها الحاضر ويفتقدها المستقبل.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ومع تصاعد أرقام الضحايا، أما آن لحملات التحريض أن تتوقف؟ أما آن للجميع أن ينتهجوا خطاباً مسؤولاً يرفض العنف، ويحفظ السلم الاجتماعي، ويصون حق القوى الوطنية جميعها في العمل السياسي الآمن؟ وهل حانت اللحظة التي يدرك فيها المخططون والممولون أن وهم "إلغاء الآخر" عبر العنف لن ينتج إلا مزيداً من التشظي؛ كما أن الوقت مناسباً جداً ليدرك الجمبع أن استهداف الإصلاح هو استهداف لكل الأحزاب، فالحرية السياسية كلٌ لا يتجزأ، وأي صمت أو تبرير أو تغاضٍ عن استهداف طرف، هو بمثابة إذن بفتح الباب أمام استهداف الجميع.
دمتم سالمين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news