العرش نيوز – متابعات
مع كل جولة تفاوض جديدة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ومليشيات الحوثي بشأن ملف الأسرى والمختطفين، تعود قضية المناضل الوطني محمد قحطان إلى صدارة المشهد بوصفها الامتحان الحقيقي لأي حديث عن تقدم إنساني أو اختراق جاد في هذا الملف الشائك.
تزامن استئناف المشاورات الجارية حاليًا في العاصمة العُمانية مسقط مع تصاعد تساؤلات مشروعة حول جدوى هذه اللقاءات، في ظل استمرار إخفاء قحطان قسرًا منذ قرابة عشر سنوات، دون أي معلومات رسمية عن مصيره، الأمر الذي يفرغ أي تقدم مزعوم من مضمونه الإنساني والأخلاقي.
ويُعد محمد قحطان أحد أبرز الشخصيات السياسية المدنية في اليمن وقياديًا في حزب التجمع اليمني للإصلاح، حيث اختطفته مليشيات الحوثي من منزله في صنعاء في الخامس من أبريل/نيسان 2015، عقب أيام من فرض الإقامة الجبرية عليه. ومنذ ذلك التاريخ، انقطعت أخباره تمامًا، ولم يُتح لأسرته أو لمحاميه معرفة مكان احتجازه أو الاطمئنان على وضعه الصحي والقانوني، في واحدة من أطول حالات الإخفاء القسري في البلاد.
ورغم أن قضيته وردت بشكل صريح في قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، الذي نص على الإفراج عنه إلى جانب ثلاث شخصيات سياسية أخرى، إلا أن جميع المشمولين بالقرار أُطلق سراحهم باستثناء قحطان، ما يعكس نمطًا واضحًا من التعنت الحوثي، ويثير تساؤلات جدية حول مستوى الضغط الدولي والحكومي في هذا الملف.
وبحسب قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن الإخفاء القسري يُصنّف جريمة جسيمة لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن إدراجها ضمن صفقات تبادل أو تسويات سياسية مرحلية، وهو ما يجعل قضية قحطان خارج منطق المساومة أو المقايضة.
إنكار حوثي وتناقض حكومي
وعلى امتداد الجولات التفاوضية السابقة، لم تغب قضية محمد قحطان عن الطاولات، غير أنها ظلت حبيسة المماطلة والالتفاف. إذ دأبت مليشيات الحوثي على انتهاج سياسة الإنكار تارة، وربط مصيره بملفات أخرى تارة ثانية، دون تقديم أي التزام عملي بالكشف عنه أو الإفراج عنه.
في المقابل، لم يكن الأداء الحكومي بمنأى عن الانتقادات، حيث اعتاد الوفد الحكومي إعلان قحطان “خطًا أحمر” وأولوية غير قابلة للتجاوز، قبل أن تنتهي الجولات بتفاهمات جزئية وصفقات محدودة لا تتضمن أي تقدم ملموس في قضيته، ما أضعف من مصداقية هذا الموقف أمام الرأي العام.
ويبرز هذا التناقض بوضوح في مشاورات يونيو 2024، حين ربط الوفد الحكومي أي اختراق في ملف الأسرى بالكشف عن مصير قحطان، إلا أن الجولة انتهت دون نتائج، وبقي الرجل خارج أي اتفاق، في تكرار لمشهد بات مألوفًا.
معيار لا يقبل التجزئة
اليوم، ومع تجدد مشاورات مسقط، تتكرر لغة التفاؤل والتصريحات الإيجابية، في مقابل غياب مؤشرات حقيقية على أن قضية محمد قحطان ستُطرح كشرط أساسي لا يقبل التأجيل أو التدوير.
وفي هذا السياق، لم تعد قضية قحطان مجرد ملف ضمن قوائم التبادل، بل تحولت إلى معيار أخلاقي وقانوني يقيس جدية جميع الأطراف، وفي مقدمتها الحكومة اليمنية، بشأن التزامها بالدفاع عن مواطنيها ورفضها تحويل الإخفاء القسري إلى أداة تفاوض.
كما أن الاستمرار في العملية التفاوضية دون حسم هذه القضية يمنح، بصورة غير مباشرة، غطاءً سياسيًا لممارسة الإخفاء القسري، ويحوّل الضحية إلى ورقة ضغط، في تعارض صارخ مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
خلاصة المشهد
تشير الوقائع إلى أن مليشيات الحوثي لا تقدم تنازلات حقيقية دون ضغط واضح ومباشر، وأن أي تساهل جديد سيقود بالضرورة إلى النتيجة ذاتها: جولات تفاوض بلا إنجاز، وملفات إنسانية مؤجلة، ومعاناة مستمرة.
وانطلاقًا من ذلك، فإن مشاورات مسقط الجارية لن تحمل قيمة فعلية ما لم يُعلَن بوضوح أن قضية محمد قحطان ليست بندًا تفاوضيًا مرنًا، بل شرطًا مسبقًا لأي مسار جاد. فالحوار الذي لا ينتهي بالإفراج عنه، أو على الأقل بالكشف الشفاف عن مصيره، يبقى حوارًا منقوصًا ويفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية الإنسانية.
كما أن المسؤولية لا تقع على عاتق مليشيات الحوثي وحدها، رغم سجلها الحافل بالانتهاكات، بل تمتد كذلك إلى الحكومة اليمنية التي باتت مطالبة اليوم بالانتقال من مربع الخطاب إلى مربع الفعل، ومن إدارة الأزمة إلى فرض الاستحقاقات الإنسانية، وفي مقدمتها إنهاء واحدة من أكثر قضايا الإخفاء القسري وضوحًا في اليمن.
غرِّد
شارك
انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)
فيس بوك
اضغط لتشارك على LinkedIn (فتح في نافذة جديدة)
النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة)
X
معجب بهذه:
إعجاب
تحميل...
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news