صناعة القطعان البشرية .. واستلاب العقول والأفكار ..!!
قبل 3 دقيقة
رغم أن الله تعالى كرم الإنسان بالعقل وميزه على غيره من المخلوقات ، لكي يكون صاحب إرادة حرة وقرار مستقل وفكر خاص ، يمنحه القدرة على الاختيار والتمييز بين الخير والشر والحسن والقبيح والإيجابي والسلبي ، إلا أن قوى الهيمنة والنفوذ بكل أشكالها وأنواعها ومسمياتها عبر التاريخ البشري لم تألوا جهداً في انتزاع هذه الصفات المميزة للإنسان ، عن طريق استلاب قدراته العقلية وتحييدها وتجميدها ، بهدف صناعة القطعان البشرية الدينية والمذهبية والطائفية والحزبية والمناطقية ، التي لا تسمع ولا ترى ولا تفكر صم وعمي وبكم ، وصولا إلى ِبتنفيذ الأوامر والتوجيهات بدون تفكير ، مهما كانت وكيفما كانت حتى لو كانت ضد مصالحها ورغباتها وحقوقها وحرياتها وانسانيتها ، وتحويل البشر إلى قطعان متعصبة وموتورة ومتشددة ومتطرفة له نتائج سلبية وكارثية على المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان ، لأنها قد تتحول إلى قطعان مدمرة وقاتلة ومتوحشة ، بحسب رغبات وأهواء قادتها والمسيطرين عليها والمتحكمين بها ، فقد يوجهونها لإرتكاب أبشع الجرائم وتدمير كل شيء جميل في هذه الحياة ، كل ذلك يجعل من صناعة القطعان البشرية الهدف الأول في سياسات قوى النفوذ والهيمنة والتسلط والاستبداد في كل زمان ومكان ..!!
فكلما تمكنت تلك القوى من صناعة المزيد من القطعان البشرية المسلوبة القرار والإرادة والمغيبة الفكر والتفكير ، كلما زادت قوتها وتوسع نفوذها وتعاظمت هيمنتها ، كما أن نجاحها في ذلك يجعلها تشعر بالفخر والسعادة والتفوق والعظمة والغرور ، كيف لا وهي ترى الألاف من البشر وقد تحولوا إلى مجرد قطعان تتحرك وفق مشيئتها وتنفذ رغباتها وتعمل في خدمتها وتطيع أوامرها ، بل قد يصل بها الحال إلى تقديسها وتأليهها ( فرعون إنموذجاً ) . وللأسف الشديد تظل الأفكار الدينية والدعوات المذهبية والطائفية هي الوسيلة الأولى والأفضل التي تستغلها قوى الهيمنة والنفوذ لصناعة القطعان البشرية المتطرفة والمتشددة والمتعصبة والمؤدلجة ، التي تعادي الفكر والتفكير والحرية وترى في ذلك الشر المطلق ، لتتحول الأديان والمذاهب من وسيلة تمنح البشر الخير والصلاح والسعادة إلى أداة للشر والفساد والألم والعبودية والقتل وسفك الدماء ، ومن وسيلة جاءت لتحرير البشر من قيود الكهنوت الأرضي إلى أداة لصناعة القطعان البشرية التي تمجد وتعظم الكهنوت وتقدس البشر وتمتهن العبودية وتتلذذ بها ، لتعيش تلك القطعان حياتها مسلوبة القرار والإرادة والكرامة كالأنعام بل قد يكونون أضل منها ، فكرامة الإنسان في عقله وتفكيره فإذا فقد ذلك فقد كرامته وانسانيته ، ولا قيمة ولا معني لحياة الإنسان بدون الحرية العقلية والفكرية ..!!
وبذلك فإن احتلال العقول واستعمارها والتحكم بها هو أسوأ أنواع الاحتلال والاستعمار على الإطلاق ، لذلك يظل الكفاح والنضال ضد سياسات صناعة القطعان البشرية المؤدلجة ، التي تمارسها وتنتهجها قوى النفوذ والهيمنة في كل زمان ومكان ، من أشرف وأعظم الأفعال والاعمال الثورية والتحررية على الإطلاق ، فليس هناك ما هو أعظم وأشرف من المشاركة في تنوير وتثقيف البشر ، وتحرير عقولهم من القيود التي تكبلها وتحرمها حقها في التفكير وتحرمها حريتها في الاختيار والتمييز واتخاذ القرار ، لأن ذلك هو التجسيد الحقيقي لصناعة الحرية والتحرر والأحرار ، فالإنسان المتنور والواعي والمثقف لا يمكن أن تنطلي عليه سياسة صناعة القطعان البشرية ، ولن يقع ضحية لها فهو يعشق الحرية والعزة والكرامة ، لأنه يفكر ويتدبر ويتأمل ويشغل عقله الذي يهديه لكل ما هو جميل ومفيد ونافع له ولمجتمعه وللبشرية ، وكما يقول أحد الفلاسفة طالما وأنت تفكر فأنت حي ، وهو بذلك يقصد بأن حياة الإنسان وحضوره وفعاليته تتوقف على قدرته على التفكير وإتخاذ القرار والحرية في الاختيار ، والقطعان البشرية بذلك ليسوا أكثر من جذوع نخل خاوية تأخذها الرياح في الإتجاه الذي تريد ، وكل إنسان يضع نفسه حيث يشاء ، سواء كواحد من أفراد القطعان البشرية التي لا حول لها ولا قوة ولا قرار ولا إرادة ولا عقل ، أو إنسان حر ومفكر له قراره وإرادته ورأيه الخاص به ..!!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news