الاعتراف بدولة الجنوب العربي ..ضرورة دولية لأمن المنطقة واستقرار الملاحة بالممرات البحرية

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 69 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الاعتراف بدولة الجنوب العربي ..ضرورة دولية لأمن المنطقة واستقرار الملاحة بالممرات البحرية

لم تعد مسألة الاعتراف بدولة الجنوب العربي شأناً سياسياً محلياً أو مطلباً وطنياً يخص شعب الجنوب وحده، بل تحوّلت إلى ضرورة دولية تفرضها معطيات الأمن العالمي، وتوازنات الملاحة الدولية، والحرب المفتوحة ضد الإرهاب، ومواجهة التمدد الإيراني في واحدة من أخطر مناطق العالم حساسية.

فالتجربة اليمنية خلال العقود الماضية أثبتت أن الإصرار على تجاهل الواقع الجيوسياسي، والتمسك بصيغ فاشلة، لم ينتج سوى الفوضى، وفتح الأبواب أمام الإرهاب، وحوّل الشمال إلى منصة تهديد عابر للحدود.

إن التحولات العميقة التي شهدها الإقليم خلال العقد الأخير جعلت من الجنوب العربي رقماً صعباً في معادلة الأمن الدولي، خصوصاً مع تصاعد التهديدات العابرة للحدود، وتداخل المصالح الاقتصادية والأمنية للدول الكبرى في البحر العربي وخليج عدن.

فالدول لم تعد تنظر إلى الكيانات السياسية من زاوية الشرعية الشكلية فقط، بل من زاوية القدرة على ضبط الجغرافيا، وحماية المصالح الدولية، ومنع تحوّل الفراغات السياسية إلى منصات تهديد عالمي، وهو ما فشل الكيان اليمني السابق في تحقيقه.

اليوم، يقف العالم أمام حقيقة واضحة: جنوب عربي منظم، يمتلك قيادة سياسية وقوات أمنية فاعلة، ويسيطر على أهم الممرات البحرية، في مقابل شمال يهيمن عليه نظام حوثي طائفي، يعمل كذراع عسكرية وأمنية للنظام الإيراني.

وبين هذين المسارين، يصبح الاعتراف بدولة الجنوب العربي خياراً عقلانياً لحماية الأمن الدولي، لا مجرد موقف سياسي.

هذه المقارنة لم تعد توصيفاً إعلامياً، بل واقعاً تعترف به تقارير أمنية ودراسات استراتيجية دولية، حيث بات الجنوب يُنظر إليه كمساحة استقرار مقابل شمال يتحرك خارج منطق الدولة.

وفي زمن تتقدم فيه المصالح الأمنية على الاعتبارات التقليدية، فإن الدول الكبرى تبحث عن شركاء موثوقين قادرين على إدارة مناطقهم بفاعلية، لا عن كيانات عاجزة أو مختطفة.

*فشل الوحدة والشمال ذراع إيران

انهار الكيان اليمني عملياً منذ حرب 1994، ثم سقط نهائياً بانقلاب الحوثيين عام 2015. فمنذ ذلك التاريخ، لم يعد الشمال يمثل دولة قابلة للشراكة أو الالتزام بالقانون الدولي، بل تحوّل إلى مساحة خاضعة لميليشيا عقائدية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، تستخدم الجغرافيا اليمنية لابتزاز العالم عبر تهديد الملاحة، واستهداف السفن، وتهريب السلاح، وزعزعة أمن الإقليم.

إن هذا الانهيار لم يكن حدثاً مفاجئاً، بل نتيجة تراكمات سياسية وأمنية واقتصادية فشلت في بناء دولة جامعة.

ومع سيطرة الحوثيين، انتقلت الأزمة من فشل داخلي إلى تهديد خارجي مباشر، حيث تم توظيف الجغرافيا الشمالية ضمن مشروع إقليمي أوسع يستهدف موازين القوة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب.

لا النظام الحوثي يعمل كسلطة وطنية، بل كوكيل إقليمي لإيران، ينسق معها عسكرياً وأمنياً، ويوفر لها منفذاً مباشراً إلى البحر الأحمر، وباب المندب، والبحر العربي. وهذا الواقع يجعل أي حديث عن شراكة دولية مع الشمال أمراً مستحيلاً، ويجعل استمرار الاعتراف به عبئاً أمنياً على العالم.

فالدولة، وفق المعايير الدولية، تُقاس بسلوكها الخارجي واحترامها للالتزامات الدولية، وليس بالشعارات. ومع تحوّل الشمال إلى أداة ضغط بيد طهران، فإن استمراره ككيان معترف به دولياً يضع المجتمع الدولي أمام مفارقة خطيرة بين الاعتراف الشكلي والواقع العملي.

*شريك موثوق لا ساحة فوضى

في المقابل، يقدّم الجنوب العربي نموذجاً مغايراً كلياً.

فمنذ تحريره، عمل المجلس الانتقالي الجنوبي على بناء مؤسسات أمنية وعسكرية منضبطة، فرضت الاستقرار، وأمّنت المدن، وحمت الموانئ، ومنعت تحوّل الجغرافيا الجنوبية إلى ملاذات آمنة للتنظيمات المتطرفة.

أثبتت القوات الجنوبية، في أكثر من معركة، قدرتها على اجتثاث تنظيم القاعدة، وتجفيف مصادر تمويله، وتفكيك شبكاته.

وهذا المسار يعكس فهماً عميقاً لمفهوم الدولة الحديثة، حيث يُعد الأمن حجر الأساس لأي استقرار سياسي أو اقتصادي. فالجنوب لم يكتفِ بالشعارات، بل انتقل إلى الفعل الميداني، وهو ما انعكس مباشرة على حياة المواطنين وعلى نظرة الشركاء الدوليين إليه.

هذا الدور لم يكن موجهاً لخدمة الجنوب فقط، بل أسهم مباشرة في حماية الأمن الإقليمي والدولي، وجعل الجنوب العربي شريكاً فعلياً في الحرب العالمية على الإرهاب، لا مجرد ساحة عمليات مؤقتة.

شكّل هذا التحول فارقاً نوعياً في مقاربة المجتمع الدولي للملف الجنوبي، حيث بات يُنظر إليه كقوة استقرار طويلة الأمد، وليس كحالة طارئة مرتبطة بظرف أمني محدد.

*شراكة حقيقية

خلافاً للشمال الذي يحتضن الفوضى ويستثمر في الميليشيات، قدّم الجنوب العربي نفسه كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب. فقد تعاونت القوات الجنوبية بشكل مباشر مع الشركاء الإقليميين والدوليين، ونجحت في تفكيك أخطر شبكات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي كان يُصنّف كأحد أخطر فروع التنظيم عالمياً.

إن هذا التعاون لم يكن شكلياً، بل اعتمد على تبادل معلومات، وتنسيق ميداني، وعمليات دقيقة، وهو ما عزز ثقة الأطراف الدولية بقدرة الجنوب على الالتزام بمسؤولياته الأمنية.

إن الاعتراف بدولة الجنوب العربي يمنح المجتمع الدولي شريكاً مستقراً يمكن الاعتماد عليه في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنفيذ العمليات المشتركة، ومنع عودة التنظيمات الإرهابية، بدلاً من الاعتماد على كيانات هشة أو سلطات فاقدة للسيطرة.

وهو ما ينسجم مع التوجه العالمي نحو تقليل التدخلات المباشرة، والاعتماد على شركاء محليين قادرين على إدارة أمنهم بكفاءة.

* خط الدفاع الأول عن التجارة العالمية

يمتلك الجنوب العربي السيطرة الجغرافية على البحر العربي، وخليج عدن، والمحيط الهندي الغربي، وباب المندب، وهي شرايين حيوية تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة العالمية والطاقة. وقد أثبتت السنوات الأخيرة أن أي تهديد لهذه الممرات ينعكس فوراً على الاقتصاد العالمي.

تُعد هذه المساحات البحرية من أكثر المناطق حساسية في منظومة الاقتصاد العالمي، حيث تمر عبرها شحنات النفط والغاز، والمواد الغذائية، وسلاسل الإمداد الصناعية التي تعتمد عليها كبرى الاقتصادات.

أي اضطراب أمني في هذه المنطقة لا يقتصر أثره على دول الإقليم، بل يمتد ليشمل ارتفاع أسعار الطاقة، وتعطّل حركة التجارة، وزيادة كلفة التأمين البحري.

القوات الجنوبية نجحت في تأمين هذه الخطوط، ومنع استخدامها كورقة ابتزاز سياسي أو عسكري، بعكس الشمال الذي تحوّل إلى مصدر تهديد مباشر للملاحة عبر الهجمات الحوثية المدعومة إيرانياً. ومن هنا، فإن وجود دولة جنوبية معترف بها، قادرة على فرض سيادة القانون على سواحلها، يمثل ضمانة حقيقية لاستقرار الملاحة الدولية.

هذا الدور يعكس تحول الجنوب من مجرد جغرافيا عبور إلى فاعل أمني مؤثر، قادر على حماية السواحل والموانئ والمياه الإقليمية وفق معايير القانون الدولي. كما أن الاعتراف الدولي يمنح هذا الدور طابعاً مؤسسياً، يتيح توقيع اتفاقيات بحرية وأمنية طويلة الأمد، ويحول دون أي فراغ قد تستغله قوى معادية.

*باب المندب

يمثل مضيق باب المندب نقطة ارتكاز للأمن البحري العالمي. وبينما تسعى الميليشيات الحوثية إلى تحويله إلى ساحة صراع، يقدّم الجنوب العربي نموذج الدولة المسؤولة القادرة على إدارة هذا الممر بعقل دولة، لا بعقل جماعة مسلحة.

إن إدارة المضائق البحرية تتطلب دولة تمتلك رؤية استراتيجية، ومؤسسات أمنية منضبطة، والتزاماً صارماً بالقانون الدولي. فالمضيق ليس مجرد ممر مائي، بل عقدة أمنية واقتصادية تتقاطع عندها مصالح دول كبرى.

إن الاعتراف بدولة الجنوب العربي يمنح المجتمع الدولي شريكاً شرعياً لإدارة أمن هذا المضيق، ويغلق الطريق أمام المشاريع الإيرانية التي تسعى إلى تطويق العالم عبر السيطرة على الممرات البحرية.

كما يساهم هذا الاعتراف في بناء منظومة ردع قانونية وسياسية تمنع تحويل باب المندب إلى ورقة مساومة أو تهديد، ويؤسس لشراكة قائمة على المصالح المشتركة.

*الاعتراف الدولي

إن الاعتراف بدولة الجنوب العربي لا يشكّل سابقة خطيرة كما يروّج البعض، بل تصحيحاً لمسار خاطئ استمر عقوداً. فالعالم سبق أن اعترف بدول جديدة عندما أثبتت قدرتها على الاستقرار والالتزام بالقانون الدولي، والجنوب العربي اليوم يملك كل مقومات الدولة القابلة للحياة.

التاريخ السياسي المعاصر حافل بأمثلة لدول نالت الاعتراف الدولي عندما أصبحت واقعاً مستقراً على الأرض. والجنوب العربي، من حيث السيطرة الأمنية، وبناء المؤسسات، والقدرة على الشراكة الدولية، تجاوز مرحلة الحالة المؤقتة، وأصبح مشروع دولة فعلياً.

كما أن هذا الاعتراف يقلّل من الحاجة إلى تدخلات عسكرية دولية مكلفة، ويحوّل الجنوب إلى شريك يتحمّل مسؤولياته الأمنية، بدلاً من أن يبقى عبئاً على المجتمع الدولي.

*خيار العالم بين شريك موثوق وذراع إيرانية

يقف المجتمع الدولي أمام خيار واضح لا يحتمل التأجيل: إما الاستمرار في دعم كيان شمالي مختطف من قبل إيران، يستخدم الإرهاب والملاحة كورقة ابتزاز، أو الاعتراف بدولة الجنوب العربي كشريك دولي موثوق في مكافحة الإرهاب وتأمين خطوط الملاحة الدولية.

هذا الخيار لم يعد نظرياً، بل بات يُفرض يومياً عبر التطورات الميدانية والهجمات البحرية والتصعيد الإقليمي. وكل تأخير في حسمه يفتح المجال أمام مزيد من الفوضى ويزيد كلفة المعالجة لاحقاً.

إن الاعتراف بدولة الجنوب العربي ليس انتصاراً سياسياً لشعب الجنوب فحسب، بل خطوة استراتيجية لحماية الأمن العالمي، وضمان استقرار أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وبناء شراكة قائمة على المسؤولية، لا على الأوهام.

*حل الدولتين الخيار الوحيد*

أكد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في أكثر من مناسبة دولية أن الحل الواقعي للأزمة اليمنية يكمن في مسار الدولتين، مشدداً على أن الجنوب بات يمتلك مؤسسات أمنية وعسكرية قادرة على حماية حدوده ومياهه الإقليمية وتأمين خطوط الملاحة الدولية، وأن قيام دولة جنوبية مستقرة سيشكّل عاملاً حاسماً في تجفيف منابع الإرهاب وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.

وقال الزُبيدي في تصريحات صحفية دولية إن الجنوب يمثل اليوم شريكاً موثوقاً في مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات البحرية، وقد أثبت ذلك عملياً من خلال التعاون المستمر مع التحالف العربي والقوى الدولية، مؤكداً أن القوات الجنوبية لعبت دوراً محورياً في تحجيم تنظيمي القاعدة وداعش ومنعت تحوّل السواحل الجنوبية إلى منصات تهديد للملاحة العالمية.

وفي المقابل، تؤكد المواقف الأمريكية والأممية المتكررة أن جماعة الحوثي المسيطرة على شمال اليمن تمثل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والدولي، حيث أدانت الولايات المتحدة مراراً الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ووصفت هذه الأعمال بأنها انتهاك صارخ لحرية الملاحة وتهديد مباشر للتجارة العالمية.

كما أعادت الولايات المتحدة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في اعتراف رسمي بطبيعة الدور الذي يلعبه الشمال الخاضع لسيطرتهم كذراع عسكرية وأمنية للنظام الإيراني، يستخدم الجغرافيا اليمنية لابتزاز العالم وتهديد خطوط الطاقة والتجارة الدولية.

وتنسجم هذه المواقف الدولية مع ما يطرحه التقرير من أن الاعتراف بدولة الجنوب العربي لا يخدم تطلعات شعبه فحسب، بل يحقق مصلحة استراتيجية مباشرة للمجتمع الدولي، عبر إيجاد شريك مستقر وموثوق في واحدة من أكثر المناطق البحرية حساسية في العالم، مقابل كيان شمالي معادٍ تحكمه جماعة أيديولوجية مرتبطة بطهران وتعمل خارج منطق الدولة والقانون الدولي.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

بعد غياب طويل.. علي سالم البيض يعود إلى عدن وسط جدل حول الوحدة اليمنية

المرصد برس | 1165 قراءة 

اليمن.. قيادات بارزة في ألوية درع الوطن تؤكد استعدادها للانضمام الكامل للقوات الجنوبية

عدن حرة | 819 قراءة 

عاجل:تقديم هذا الامر لباحاج عقب الجريمة المروعة في شبوة

كريتر سكاي | 787 قراءة 

محلل عسكري يكشف عن خطوة سياسية ترعب مليشيا الحوثي والانتقالي.. ويدعو لتنفيذها فورًا

المشهد اليمني | 579 قراءة 

القصة الكاملة لجريمة اعدام باحاج في شبوة وكيف بدأت؟

بوابتي | 475 قراءة 

عاجل:حلف قبائل حضرموت يصدر بيان هام

كريتر سكاي | 426 قراءة 

عاجل | القوات الجنوبية تُحكم سيطرتها على جيشان وتواصل التقدم نحو العطفة

العين الثالثة | 386 قراءة 

خلافات تعصف بين "البركاني" و"باصرة" بعد لقاء الأول بالرئيس الزُبيدي

عدن حرة | 372 قراءة 

رسالة سعودية: لا "لاحتكار الجنوب" ولا لفرض الأمر الواقع في "حضرموت والمهرة"

مندب برس | 346 قراءة 

تطور مفاجئ في قضية إعدام الشاب ‘‘باحاج’’ على أيدي مسلحين قبليين في شبوة

المشهد اليمني | 336 قراءة