يُعرَّف الزيغ في البصريات الفيزيائية بأنّه التشوّه الحادث في الصورة نتيجة انحراف الأشعة الساقطة عن بؤرة العدسات أو المرايا، أو حتى العين البشرية، بسبب ما نُطلق عليه عيوب الإبصار (طول النظر، قصر النظر، الاستجماتزم)، وتُصحَّح هذه العيوب باستخدام العدسات.
ويُعدّ الزيغ اللوني نوعًا آخر من الزيغ البصري، ويحدث أيضًا بسبب انحراف الألوان عن البؤرة، نتيجة اختلاف الأطوال الموجية ومعاملات انكسارها للطيف الضوئي المتحلّل من ضوء الشمس أثناء مروره بالعدسات والمرايا.
ويحدث في البُنى الاجتماعية والسياسية زيغٌ مماثل للزيغ البصري واللوني، وهو عبارة عن التشوّهات الحادثة للصورة أو للبنية الاجتماعية والسياسية عن بؤرتها الحقيقية.
[ففي الوعي العام المجتمعي ـ إن جاز هذا التعبير الافتراضي ـ فإن الزيغ البصري في البنية الاجتماعية يُنتج تلك الصور الزائفة والمشوّهة والمشوَّشة، السرابية عديمة الوجود الفعلي، التي تظلّ طوال الوقت باحثةً عن دورٍ مُضلِّلٍ للوعي.]
وبالمثل، يحصل هذا التشوّه بتعدّد ألوان الطيف السياسي لهذه البُنى، وتلعب وسائل الإعلام دورًا بارزًا في تشويه الصور المعرفية كافة (السياسية، والاقتصادية، والثقافية) في بؤرة الوعي المجتمعي.
وقد استطاعت التقنيات الحديثة التقليل من حدّة تلك التشوّهات (الانحرافات)، وبخاصة في تقنيات المرايا الكروية.
أمّا في المجال السياسي، فإن الأحزاب السياسية تحاول التقليل من هذا التشوّه باختيار لونٍ واحدٍ لها، يتشكّل في بؤرة الوعي الجمعي (للحزب أو التنظيم أو التجمّع أو أيّ تسمياتٍ أخرى)، بتشوّهٍ أقل داخل المنظومة نفسها.
وتحدث لهذه الإشعاعات الحزبية ذات اللون الواحد عمليةُ سقوطٍ على وعي المجتمع، فتبدو التشوّهات واضحةَ المعالم، بحيث لا يستطيع أحد التعرّف عن قرب على ملامح الصورة المتكوّنة، لبُعدها عن همومه الحياتية.
وفي تقديري، يُعدّ التقارب اللوني، والفكري، والثقافي لمكوّنات المجتمع أمرًا مهمًا في تقليل حدّة هذه التشوّهات، وبخاصة فيما يتعلّق بالثوابت الوطنية (سيادةً، واستقرارًا أمنيًا ومعيشيًا).
ويُعدّ اللقاء المشترك ـ سابقًا ـ أحد الأمثلة التي قلّلت من حدّة التشوّهات المعارضة، بإطلاق رؤيته التي تكوّنت في بؤرة وعيه المعارض، وساعدته في ذلك وسائله الإعلامية بوصفها وسائط تجميعية لذاك الإشعاع المعارض في بؤرة الشارع السياسي.
وقد اتّخذت الأشعة الثقافية والأدبية بعد الوحدة منحًى آخر، باستخدامها عدساتٍ مقعّرة بدلًا من العدسات المُجمِّعة، مما أدّى إلى تكوّن صورة (رؤية) خيالية في بؤرة الوعي الجمعي وفي تخيّلاته.
كما أحدث التعليم والتطبيب ـ بشقّيهما الحكومي والأهلي ـ وما زالا، انحرافًا مشوّهًا في بنية المجتمع منذ الوحدة حتى الآن.
وللانقلاب صورتُه المشوّهة في وعي مناطقه المسيطر عليها، وللشرعية ما لها من ذات التشوّه في المناطق المحرّرة.
وللتحالف صورٌ عديدةُ التشوّه، في طول البلاد وعرضها، وحتى في الفصل السابع.
وللسلطة المحلية زيغُها المتتالي بصوره وتصوراته.
وتنحرف أشعة إبصار الحملات الأمنية في أكثر من بؤرة، مكوِّنةً صورًا مشوّهة لا يدرك الشارع ملامحها نهارًا، وأكثر ما تكون إزعاجًا لمنامه ليلًا.
وكلّما تعدّدت في خلافاتها المكوّنات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والأمنية، والعسكرية، بدا هذا الزيغ مشوّهًا في بؤر الوعي الاجتماعي ككل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news