في مشاهد مؤلمة تعكس عمق الأزمة الإنسانية التي تمر بها اليمن، تشهد العاصمة صنعاء تصاعدًا كارثيًا لمظاهر الفقر المدقع، حيث باتت مشاهد البحث عن قوت اليوم في براميل القمامة حقيقة مريرة تفرض نفسها في وضح النهار، وتحولت من ظاهرة خفية إلى مؤشر صادق على تدهور الأوضاع المعيشية والانهيار الكامل للبنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية.
تفاصيل صادمة على الأرض
وكانت شوارع العاصمة قد شهدت، صباح اليوم، مشهدًا هزّ ضمير المارة، تمثل في رجل يبدو عليه الإرهاق والاضطراب النفسي، وهو يقلب محتويات صندوق قمامة كبير بالقرب من أحد الأسواق الشعبية، بحثًا عن أي شيء صالح للأكل يسد رمق جوعه.
لم تكن هذه الحالة معزولة، فبحسب شهادات مواطنين، فقد تكررت خلال الأيام القليلة الماضية مشاهد لنساء، بعضهن يرتدين ملابس ممزقة، يقمن بفتش براميل النفايات في الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية، في محاولات يائسة لإطعام أطفالهن.
يقول أبو أحمد، أحد سكان حي شعبي في صنعاء، والذي شاهد إحدى هذه المشاهد: "الأمر لم يعد خفيًا، أصبحنا نراهم كل يوم. نساء وأطفال ورجال، لم يعد يخجلون من البحث في القمامة، لأن الجوع أقوى من الخجل. هذه مشاهد لم نعتدها في مجتمعنا الذي كان يُعرف بالكرم والتكافل".
أسباب متشابكة: حرب وانهيار اقتصادي
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون واقتصاديون أن تفشي هذه الظاهرة البشعة هو نتيجة حتمية لسنوات طويلة من النزاع المسلح والانهيار الاقتصادي الشامل. فالحرب لم تدمر البنية التحتية فحسب، بل أفرزت حلقة مفرغة من الفقر بدأت بانقطاع الرواتب عن ملايين الموظفين في القطاع العام، تلاها توقف معظم الأنشطة الاقتصادية، وصولًا إلى الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية الذي تجاوز قدرة الشرائح الأوسع من السكان.
تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي
وتحذر مصادر اجتماعية وأهلية من أن تحول هذه المشاهد المأساوية إلى أمر "مألوف" أو "معتاد" يمثل خطرًا داهمًا على النسيج الاجتماعي اليمني. فالمجتمع اليمني تاريخيًا قائم على قيم التكافل والتآزر الأسري والقبلي، لكن هذه الأزمة الطاحنة بدأت تؤدي إلى تآكل هذه الشبكات الحماية الاجتماعية.
تقول ناشطة في مجال العمل الاجتماعي، فضلت عدم ذكر اسمها: "ما نخشاه الآن هو تحول الفقر المدقع إلى جزء من مشهدنا اليومي، مما يؤدي إلى "تطبيع" الإذلال الإنساني.
هذا الأمر لا يؤثر فقط على كرامة الأفراد، بل يهدد بزيادة معدلات الجريمة، وانفصام الروابط الأسرية، وتفشي الأمراض النفسية، خاصة في ظل غياب تام للدور الذي كان من المفترض أن تلعبه الدولة في رعاية المهمشين والمرضى النفسيين وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي".
لم تعد مشاهد البحث عن الطعام في القمامة مجرد حالات فردية تعكس فقر أفراد، بل أصبحت جرس إنذار يدق بقوة، معلنًا عن وصول المجتمع اليمني إلى حافة الهاوية.
إنها ندبة غائرة في جسد أمة كانت يومًا ما تعرف بالكرم والجود، واليوم تجد نفسها عاجزة عن إطعام أبنائها، في صمت دولي ومحلي يثير القلق والأسى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news