هروب الشرعية وسقوط المرجعيات: آخر فصول تفكك الدولة اليمنية
قبل 7 دقيقة
مغادرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي والحكومة لمدينة عدن باتجاه الرياض لم تكن مجرد خطوة طارئة، بل سقوط مدوٍّ للحد الأدنى من المسؤولية الوطنية، خاصة عندما يأتي هذا الرحيل في لحظة يفترض أن تتمسك فيها القيادة بالمرجعيات الأساسية التي بُنيت عليها شرعية الدولة: المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن الضامنة لوحدة اليمن وسلامته. تجاهل هذه الأسس اليوم ليس مجرد خلل سياسي، بل تخلٍّ صريح عن الإطار القانوني الوحيد الذي يحمي البلد من الانقسام الكامل.
السلطة التي تخلّت عن أرضها، وتخلّت قبلها عن صلاحياتها، تبدو وكأنها تتعامل مع المرجعيات الدولية كقائمة اختيارية يمكن رميها جانباً كلما اشتد الضغط. ما حدث في عدن كشف أن الحكومة لا تملك الإرادة ولا الأدوات لحماية ما تبقى من الشرعية، ولا حتى القدرة على التمسك بما منحها الاعتراف الدولي منذ 2011. فالمبادرة الخليجية لم تكن مجرد خارطة انتقال سياسي، بل كانت صمام أمان يحفظ وحدة البلاد ويكبح تغوّل الطامحين، إلا أن قيادة الدولة اليوم تتجاهل جوهر هذا الإطار وتتنازل عنه أمام أول اختبار حقيقي.
الهروب من عدن لم يكن انسحاباً تكتيكياً، بل اعترافاً عملياً بأن الحكومة فقدت السيطرة على العاصمة المؤقتة، وأن المؤسسات الرسمية لم تعد سوى لافتات تُرفع بينما القرار الحقيقي يُنتزع منها بالقوة. ما جرى في “المعاشيق” ـ بحسب شهادات مسؤولين حكوميين ـ لم يكن مغادرة طوعية، بل طرداً مقنعاً بعد أن أصبحت المدينة محكومة بقوة السلاح لا بقوة القانون. ومع ذلك، تصر القيادة على إيهام الداخل والخارج بأنها لا تزال “تدير” المشهد، بينما الحقيقة أنها تتنازل تباعاً عن كل مساحات نفوذها دون حتى أن تدافع عن المرجعيات التي يفترض أن تستند إليها.
الأدهى من ذلك أن بعض اعضاء مجلس القيادة يتصرف وكأنه طرف محايد في صراع يقع داخل بيته. لا يتشبث بالمبادرة الخليجية التي تمنع نشوء سلطات موازية، ولا يلتزم بقرارات مجلس الأمن التي تحظر أي تغيير بالقوة في بنية الدولة، ولا حتى يدافع بجدية عن وحدة اليمن التي تتآكل أمامه في كل شبر من اليمن من صعدة حتى المهرة.
النتيجة اليوم واضحة: دولة تتفكك، مرجعيات يتم سلخها من مضمونها، قيادة سياسية تهرب بدلاً من أن تواجه، ومشهد يتساقط فيه كل ما يمنح اليمنيين أملاً بوحدة أو دولة أو مستقبل. ما يحدث ليس مجرد أزمة حكومية، بل انتحار سياسي ممنهج تُشارك فيه السلطة عبر صمتها وترددها وتخليها عن المرجعيات التي أقرت بها دولياً وإقليمياً.
إن الشرعية التي لا تتمسك بالمبادئ التي أنشأتها، ولا تدافع عن وحدة البلاد، ولا تواجه الأطراف التي تعبث بالجغرافيا والسيادة، تفقد حقها الأخلاقي والسياسي في تمثيل اليمن. وما يجري اليوم يؤكد أن القيادة الرئاسية والحكومة لا تغادران عدن فقط… بل تغادران مسؤولياتهما ومرجعياتهما، وتتركان البلاد في مهبّ صراع لا يعترف سوى بمن يحكم بالقوة، لا بمن يهرب إلى العواصم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news