القناعات المسبقة .. وتعارضها مع البحث العلمي ..!!
قبل 4 دقيقة
عادةً ما تلجأ المجتمعات المتخلفة والمتعصبة إلى غرس أفكارها وموروثها الثقافي وعاداتها وتقاليدها المجتمعية في عقول أجيالها خلال فترة الطفولة ، لكي تتمكن من تحويل تلك الأفكار والعادات إلى قناعات مسبقة يكون من الصعب تجاوزها أو التشكيك فيها أو الانتقاص من شأنها أو حتى مجرد النقاش حولها ، حتى لو تعارض بعضها مع العقل والمنطق والحقائق العلمية ، بل لقد وصل الحد عند بعض المجتمعات إلى درجة قتل العلماء والمفكرين والمخترعين ، وذلك لأن أفكارهم وابتكاراتهم والحقائق العلمية الملموسة التي اكتشفوها تعارضت مع بعض قناعاتهم المسبقة التي تتعارض مع العقل والعلم ، والتي تم غرسها في عقول أفراد تلك المجتمعات ..!!
وما حدث في أوروبا في فترة هيمنة الكنيسة على السلطة خير مثال على ذلك ، حيث قام رجال الكنيسة بإصدار الكثير من أحكام الاعدام للعديد من العلماء والمفكرين الذين توصلوا إلى العديد من النظريات العلمية ، والتي كانت تتناقض مع العديد من القناعات المسبقة للفكر الكنسي المسيحي ، التي كانت تؤصل لتعطيل العقل وتجهيل المجتمع واستعباده واستغلاله لتحقيق مصالح رجال الدين والسلطة ، ورغم تلك الممانعة الكبيرة للقناعات المسبقة ، والتي أظهرت مواجهة شرسة تجاه كل الأفكار والنظريات والابتكارات العلمية ، إلا أنها لم تتمكن من الاستمرار طويلاً في مواجهة الحقائق العلمية والعقلية الساطعة ، لينتصر الاوروبيون في آخر المطاف للعقل والمنطق وللحقائق العلمية ، عندما أدركوا أن تلك القناعات المسبقة تتعارض مع العلم والمعرفة ، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بثورة عارمة سميت الثورة العلمية أسقطوا من خلالها السلطات الدينية والدنيوية التي ظلت جاثمة على صدورهم مئات السنين ، وأغرقتهم في مستنقع الجهل والتخلف والعبودية ..!!
وكان من أهم الأفكار التي تبلورت عن تلك الثورة العلمية ، إطلاق العنان للعقل البشري للبحث والدراسة والابتكار في كل المجالات ، وتحرير افراد المجتمع من هيمنة وقيود الكنيسة وتسلط رجال الدين ، الذين تم عزلهم في الأديرة والكنائس ورفع أيديهم عن التدخل في شئون السلطة ، كما تم ترسيخ مبدأ الحرية الدينية ومبدأ المواطنة المتساوية ، ( الدين لله والوطن للجميع ) ، ومبدأ الحوار والقبول بالآخر ، وكل المبادئ التقدمية والحضارية ، ورفض كل القناعات المسبقة المعارضة للعقل والمنطق والحقائق العلمية ، وكل ما تعيشه البشرية اليوم من تطور وتقدم وحضارة وانفتاح ثقافي وحضاري هو من نتائج تلك الثورة التي غيرت مجرى التاريخ البشري ، تلك الثورة التي كانت نتاح تمرد أفراد المجتمع الأوروبي على قناعاتهم المسبقة السلبية ، وانتصارهم للعقل وللمنطق والحقائق العلمية الملموسة ..!!
ورغم ذلك الإنجاز البشري الكبير في هذا المجال ، إلا أن هناك العديد من المجتمعات البشرية لا تزال واقعة تحت هيمنة سلطات سياسية ودينية واجتماعية ، تجبرها على التمسك بقناعاتها المسبقة السلبية التي تتعارض مع العقل والمنطق والعلم ، وذلك لأن تلك السلطات قد قامت بتنشئة أجيال جاهلة ومتخلفة ومتعصبة عن طريق غرس أفكارها الايديولوجية في عقولهم وترسيخها كقناعات مسبقة ، حسبما يتوافق مع تلبية مصالحها السياسية وتحقيق أطماعها السلطوية ، وهكذا سياسات وأفكار وايديولوجيات كانت ولا تزال عائقاً أمام ثقافة الحوار والانفتاح الايجابي مع الأخر ، لأنها ترفض كل فكر أو رأي أو نظرية علمية تعارضها ، بل أن بعض الايديولوجيات المتشددة والمتطرفة تكفر الآخر المعارض لها ، وهو ما يغلق أبواب الحوار والانفتاح على الآخر بشكل كامل ، ويفتح أبواب الصراعات والحروب والتنافس السلبي بين البشر ، وهو ما يجعل تلك المجتمعات تستمر في جهلها وتخلفها طالما وهي ترفض تفعيل العقل في نقد أفكارها السلبية التي تتعارض مع الحقائق العلمية والعقلية والمنطقية المشاهدة والملموسة في هذا الكون ..!!
بل لقد. وصل الحال ببعض المجتمعات البائسة إلى غرس قناعات مسبقة في عقول اجيالها تمجد المناطقية والانعزال والانغلاق على الذات ، وترى في كل وافد من خارج مناطقها الجغرافية على أنه شخص غير مرحب به ، في تناقض عجيب وكأنها تعيش في عالم غير عالمنا ، فالعالم اليوم يعيش حالة من الانفتاح الثقافي والعلمي والحضاري ويكاد أن يتجاوز مرحلة الانتماء المناطقي والجغرافي االقبلي ويدخل مرحلة الانسان العالمي ، الذي يفتخر بانسانيته وبما يقدمه من خير وابتكارات وانجازات واختراعات تساهم في رقي المجتمع الانساني ورفاهيته ، انسان ينظر إلى كل البشر على أنهم إخوة له في الانسانية ، إنسان يقبل بالتعدد والتنوع الفكري والثقافي كفطرة إلهية يجب التعايش معها والقبول بها ، ورغم.ذلك لا تزال بعض المجتمعات المتخلفة البائسة تسعى إلى تكبيل اجيالها باغلال الانتماءات المناطقية والقبلية لتجعل منها قناعات مسبقة ، رغم أنها لم تجني منها إلا البؤوس والشقاء والثآرات والحروب والصراعات والقتل ، ولم تجلب لها سوى المزيد من المآسي والكوارث ، كل ذلك بسبب التمجيد المبالغ فيه للنزعات المناطقية والقبلية أثناء غرس تلك القناعات في عقول الاجيال المتلاحقة ، وعدم الاهتمام بغرس القناعات العلمية والفكرية والبحثية والانسانية في تلك العقول ، فتمجيد القناعات المسبقة يحاصر العقل والفكر في مربعات ضيقة جدا ، ويحرمه من البحث والانطلاق ، ولا يمكن نجاح البحث العلمي بالشكل المطلوب طالما وقيود واغلال القناعات المسبقة تحاصره من كل مكان ، لذلك لا غرابة أن نلاحظ عجز البحوث العلمية القائمة في المجتمعات التي تمجد القناعات المسبقة عن تقديم أي حلول او معالجات لمشاكل تلك المجتمعات ، طالما وهي تقيد نفسها بقناعات مسبقة تجعل من البحوث العلمية مجرد اهدار للجهد وضياع للوقت ، فمهما كانت نتائج البحوث والتجارب العلمية دقيقة وصحيحة ، فإنها سترمى عرض الحائط في حال تعارضها مع القناعات المسبقة المغروسة في العقول ..!!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news