الضمير الإنساني .. ومواقف الحياة المتغيرة
قبل 8 دقيقة
بدون شك، يكون الضمير الإنساني حيًّا عندما يقف دائمًا وأبدًا في جانب الخير، وفي صف الحق، ويكون من دعاة التعايش السلمي، ويرفض ويدين كل الأعمال والانتهاكات الوحشية والعدوانية من أي طرف كان. فلا يوجد في قاموسه تلك التقسيمات الظالمة والجائرة والمزاجية التي قد تبرر أو تبيح بعض الأعمال والانتهاكات السلبية والعدوانية وتدين وتحرم البعض الآخر. فمواقفه الإنسانية ثابتة وليست متغيرة بحسب تعصباته أو مصالحه، فالإنسانية بالنسبة لهذا الضمير الحي لا تتجزأ ولا تُقسَّم.
فالاعتداء على الأطفال والنساء والمدنيين في زمن الحروب والصراعات، وقتلهم وتدمير مساكنهم وممتلكاتهم وتشريدهم، من الأمور المرفوضة والمدانة والمحرمة شرعًا وعقلًا وقانونًا وعرفًا، من أي طرف كان، وأيًا كان دينه أو مذهبه أو عرقه أو لونه، حتى وإن كان من أقرب المقربين إليه، وضد أي طرف كانت تلك الأعمال الوحشية. فهو ينظر إلى كل بني الإنسان على أنهم إخوة له في الإنسانية، حتى وإن كانت لديه معهم خلافات في وجهات النظر أو المواقف أو في المعتقد أو المذهب. فإن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال قتلهم أو الاعتداء عليهم أو انتهاك حرماتهم أو مصادرة حقوقهم وحرياتهم..!!
وبعكس ذلك تمامًا، يقف الضمير الإنساني الميت دائمًا في جانب الشر وفي صف الباطل، ويكون من دعاة الفتن والحروب والصراعات. ولا يرفض ولا يدين الأعمال والانتهاكات الوحشية إذا كانت ضد الآخرين، وخصوصًا المخالفين له في الرأي والفكر والمعتقد، بل تراه يبرر ويفاخر ويشجع على القيام بتلك الأعمال بدافع التعصب الديني أو المذهبي أو العرقي. فمواقفه الإنسانية متغيرة ومتبدلة حسب مصالحه وأهوائه وتعصباته. فالإنسانية بالنسبة للضمير الميت محصورة في نفسه وفي من يرتبط بهم دينيًا أو مذهبيًا أو عرقيًا أو فكريًا أو مصلحيًا، أما من دون ذلك فلا إنسانية لهم، ولا حقوق ولا حريات، وليس لهم الحق في الحياة من حيث المبدأ.
هكذا ينظر صاحب الضمير الميت والسلبي إلى إخوانه في الإنسانية: نظرة مملوءة بالتعصب والحقد والكراهية والعدوانية. فكل من يختلف معه في الرأي أو المعتقد هو، بحسب تفكيره المأزوم والمعتل نفسيًا، عدو لا حقوق له ولا حريات، ويجب محاربته والقضاء عليه. ومبررات القتل والاعتداء على الآخرين جاهزة لديه، ولا يشعر بأي تأنيب للضمير تجاه ذلك، بل قد يشعر بالنشوة والفرح وهو يشاهد المجازر والانتهاكات الوحشية ضد الآخرين. وقد يصل به التطرف والتشدد إلى اعتبار تلك الانتهاكات أعمالًا بطولية وجهادية مقدسة..!!
وهكذا تجد المجتمعات البشرية نفسها أمام ثقافة سلبية مغلوطة ومدمرة ومشوهة، أنشأها ورعاها ومجّدها وقدّسها أصحاب الضمائر الميتة عبر التاريخ البشري. ثقافة دمرت كل شيء جميل في حياة البشر، وشوّهت ومزّقت جسور التواصل الإنساني والتعارف الإيجابي فيما بينهم. ثقافة بررت سفك الدماء وانتهاك الأعراض ومصادرة الحقوق والحريات. ثقافة عدوانية سلبية أسقطت البشر من مرتبة العقلانية والحكمة إلى مراتب الوحوش والحيوانات المفترسة. ثقافة همجية تعمل على تقديس وتبرير الجرائم والانتهاكات الوحشية ضد الإنسانية: ثقافة السلب والنهب والفيد والقتل والتصفيات العرقية.
ومواقف الإنسان تجاه الأحداث والمواقف الحياتية المتغيرة والمتجددة هي التي تحدد نوعية الضمير الذي يعيش في داخله. فمن ينظر إلى الإنسانية على أنها كُلٌّ لا يتجزأ فهو صاحب ضمير حي، ومن يجزئ الإنسانية حسب مصالحه وأفكاره ومعتقداته فهو صاحب ضمير ميت، كليًا أو جزئيًا. لأنه لا توجد مصالح أو أفكار أو معتقدات يمكن أن تبيح الانتهاكات والجرائم الوحشية ضد بني الإنسان، وبالذات ضد الأطفال والنساء والمدنيين والأبرياء في كل زمان ومكان وفي كل الظروف والأحوال.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news