العرب
سارعت السلطات العراقية إلى تدارك قرار رسمي صدر عنها بتصنيف حزب الله اللبناني وجماعة أنصارالله الحوثية على لوائح الإرهاب قائلة إن الأمر لا يعدو كونه مجرّد خطأ في النشر.
وبدت رواية السلطات مستغربة إلى حدّ كبير وبادرت الكثير من الدوائر إلى تكذيبها مؤكّدة أن القرار صدر بالفعل كمحاولة من حكومة رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني الاستجابة للضغوط الأميركية وتجنب المزيد منها، لكن ضغوطا شديدة مقابلة من قبل حلفاء عراقيين كبار لإيران ومحورها الذي يضم الحزب اللبناني والجماعة اليمنية دفعت السلطات إلى إيجاد مخرج من الورطة باختلاق قضية الخطأ في النشر.
وأعلنت لجنة تابعة للبنك المركزي العراقي، الخميس، أن ما تضمنته الجريدة الرسمية مؤخرا من إدراج جماعة أنصارالله وحزب الله في قوائم تجميد الأموال هو “خطأ في النشر سيتم تصحيحه.”
وقالت “لجنة تجميد أموال الإرهابيين” إن موافقة بغداد “اقتصرت على إدراج الكيانات والأفراد المرتبطين بتنظيمي داعش والقاعدة حصرا.”
وأوضحت أن ذلك جاء بناء على طلب من ماليزيا (دون توضيح السبب)، واستنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 لسنة 2001، بحسب وكالة الأنباء العراقية.
وأفادت اللجنة بأن “إدراج عدد من الأحزاب والكيانات التي لا ترتبط بأية نشاطات إرهابية مع التنظيمين المذكورين” جاء “بسبب نشر القائمة قبل التنقيح.”
وأضافت أنه سيتم تصحيح ما نُشر في جريدة “الوقائع العراقية” برفع تلك الكيانات والأحزاب من قائمة الكيانات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين.
ويأتي توضيح اللجنة بعد أن نُشر في الجريدة الرسمية قرار رسمي بتجميد الأموال والموارد الاقتصادية العائدة لكل من جماعة أنصارالله الحوثية في اليمن وحزب الله اللبناني.
وهذا القرار يحمل رقم 62 لسنة 2025، ونُشر في عدد الجريدة 4848، الصادر في 17 نوفمبر الماضي.
وجاء في القرار أن التجميد يشمل جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والموارد الاقتصادية التابعة للكيانين.
وقالت مصادر عراقية إنّ القرار الأصلي الصادر عن السلطات العراقية بوضع حزب الله اللبناني وجماعة أنصارالله الحوثية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وتجميد أصولهما المالية، تمّ فعلا واتخذ بعلم وموافقة شقّ في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل للحكومة الحالية المنتهية ولايتها والمسيطر فعليا على سلطة القرار في الدولة، لكن شقّا آخر أكثر تمثيلا للفصائل العراقية وأشد ولاء لإيران اعترض بشدّة على القرار وهدّد بالتصعيد ضدّه ما جعل السلطات تحاول احتواء الموقف باختلاق قضية الخطأ في النشر التي بدت مستغربة بشدّة.
وبدا القرار قبل تداركه منطويا على تناقض حادّ كون الحزب اللبناني والجماعة اليمنية ينتميان إلى ما يعرف بـ”محور المقاومة” بقيادة إيران والذي تنتمي إليه الأحزاب والفصائل الشيعية نفسها المشكلة للإطار، ما يعني أن تلك القوى باركت تجريم حليفين وازنين لها وعنصرين رئيسيين في محورها، ووافقت على إقرار عقوبات بحقهما.
لكن المصادر ذاتها وصفت القرار بالمنطقي نظرا للظروف الحافة باتّخاذه، موضّحة أنه يمثل للقوى التي وافقت على إصداره مجرّد إجراء شكلي وانحناء لعاصفة من الضغوط الأميركية لاحت بوادرها مع تصريحات نارية مهدّدة لبغداد بالعقوبات إذا لم تبادر إلى اتخاذ إجراءات عملية ضدّ الميليشيات المسلحة وإبعادها عن السلطة، صدرت في الآونة الأخيرة عن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب وفي مقدمتهم مارك سافايا المعيّن حديثا مبعوثا خاصا لترامب إلى العراق.
وقال سافايا الذي من المتوقع وصوله إلى بغداد خلال الأيام القادمة إن أي اقتصاد لا يمكن أن ينمو، ولا يمكن لأي شراكات دولية أن تنجح، في ظل بيئة تختلط فيها السياسة بالسلطة غير الرسمية، مشيرا إلى أن العراق يمتلك فرصة تاريخية لطي هذا الملف وتعزيز صورته كدولة تقوم على سيادة القانون، لا على سلطة السلاح.
واعتبر أن البلد يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، فإما أن يتجه نحو بناء مؤسسات مستقلة قادرة على إنفاذ القانون وجذب الاستثمارات، أو أن يعود إلى دوامة التعقيدات التي أثقلت كاهل البلاد خلال السنوات الماضية.
ووصلت رسالة مبعوث ترامب بوضوح إلى الميليشيات العراقية التي ردّت عليه على لسان الأمين العام لحركة النجباء أكرم الكعبي الذي قال في بيان بأنه في حال لم يكف سافايا عن “التدخلات السافرة في الشأن الداخلي، فإن المقاومة الإسلامية ستلقمه حجرا في فمه وترجعه لأسياده.”
كما عبر البيان عن استغراب الحركة مما سماه “المواقف الخجولة والساكتة أمام هذا التدخل السافر في الشأن العراقي الداخلي.”
وتجمع الحوثيين وحزب الله اللبناني علاقات وثيقة بقوى سياسية وفصائل مسلّحة، حتى أن بعض تلك الفصائل يتشبّه في التسمية بالحزب ذاته ويرفع نفس الراية التي يرفعها مع تعديلات طفيفة كما هي الحال بالنسبة إلى حزب الله العراقي وحركة النجباء.
ونشر مصطفى سند النائب السابق في البرلمان العراقي، والمقّرب من الفصائل الشيعية المسلّحة، وثيقة القرار الذي تضمنه العدد الأخير من جريدة “الوقائع العراقية” التابعة للحكومة والمخصصة لنشر القرارات السيادية، والذي قضى “بتجميد أصول الإرهابيين لأربعة وعشرين كيانا لاعتبارها تنظيمات إرهابية وكان من بينها حزب الله في لبنان بجريمة المشاركة في ارتكاب عمل إرهابي، وجماعة أنصارالله في اليمن، وضمن السبب الأول نفسه، وهو جريمة المشاركة في ارتكاب عمل إرهابي.”
وبشكل عملي تمتلك قرار فرض العقوبات المالية على الأفراد والكيانات في العراق لجنة تعرف باسم “تجميد أموال الإرهابيين” وتضمّ في عضويتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء ويترأسها محافظ البنك المركزي ونائبه مدير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى ممثلين لوزارات سيادية وعدة هيئات ودوائر حكومية.
وكان سند واضحا في توجيهه اللوم لجهات نافذة في السلطة ومشاركة بشكل رئيسي في حكومة السوداني، قائلا في منشور عبر حسابه في فيسبوك “العراق وللأسف يصنف الحوثيين وحزب الله منظمات إرهابية، ويرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام،” وخاطب تلك الجهات بقوله “عار عليكم وموقف مخزٍ لم تفعله كثير من الدول العربية.”
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news