اليمن الاتحادي/ متابعات:
شهدت مدينة سيئون، ثاني كبرى مدن محافظة حضرموت، هدوءاً حذراً مساء اليوم، عقب ساعات من دخول قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إليها وإحكام سيطرتها على كافة منشآتها الحكومية والعسكرية، في واحدة من أبرز التحولات العسكرية التي يشهدها وادي حضرموت منذ بدء الحرب في البلاد.
ويأتي هذا التطور بعد عملية عسكرية واسعة نفذها الانتقالي فجر اليوم، وصفها إعلام المجلس بعملية “المستقبل الواعد”، هدفت – وفقاً لبيانه – إلى “استعادة الأمن” في الوادي والصحراء “بعد استنفاد كل الخيارات”.
قوات الانتقالي تدخل سيئون دون مقاومة
بحسب مصادر متعددة، تدفقت قوات كبيرة تابعة للانتقالي إلى سيئون خلال الساعات الأولى من صباح الاربعاء من عدة محاور، مدعومة بعربات مدرعة وآليات ثقيلة.
ولم تواجه القوات أي مقاومة تُذكر، باستثناء اشتباك محدود جداً في منطقة الغرف عند مدخل المدينة، أسفر عن مقتل شخص وسقوط عدد من الجرحى، قبل أن تتقدم القوات داخل المدينة دون عوائق.
تقارير إعلامية، بينها تقارير نشرتها العربي الجديد والجزيرة، أكدت أن قوات الانتقالي سيطرت على مطار سيئون الدولي، القصر الجمهوري، ومقر المنطقة العسكرية الأولى، ورفعت علم “الجنوب” فوق عدد من هذه المنشآت، بعد انزالها لعلم الجمهورية اليمنية.
مصادر ميدانية أفادت أيضاً أن قوات المنطقة العسكرية الأولى انسحبت من مواقعها دون قتال، رغم جاهزية هذه القوات وتسليحها الثقيل.
توزيع قوات الانتقالي على مفاصل المدينة
عقب دخول سيئون، توزعت القوات إلى ثلاثة محاور رئيسية، وحدات اتجهت مباشرة نحو القصر الرئاسي، ووحدات سيطرت على مطار سيئون الدولي، وقوات تقدمت نحو مقر المنطقة العسكرية الأولى وسيطرت عليه.
كما سيطرت القوات على كافة المرافق الحيوية والأمنية والخدمية، ثم استحدثت نقاط تفتيش واسعة في شوارع المدينة ومحيطها، ونشرت دوريات متحركة لضمان السيطرة.
مداهمات وعمليات نهب وفوضى محدودة
وبحسب مصادر محلية، داهمت بعض وحدات الانتقالي منازل ضباط ينتمون للمحافظات الشمالية، واحتجزت عدداً منهم، كما سجلت حوادث نهب لمحال تجارية ومركبات حكومية وخاصة في عدد من المرافق التي تمت السيطرة عليها، وتم تداول مقاطع فيديو توثق بعض عمليات النهب تلك.
وفي مقر المنطقة العسكرية الأولى، تم تفريغ مخازن أسلحة وبيع صناديق ذخائر بأسعار زهيدة في السوق، وفق شهود عيان.
وكشفت مصادر اخبارية عن قيام قوات الانتقالي بعمليات نهب واسعة لمطار سيئون عقب اقتحامه مما اخرجه عن الخدمة.
انهيار غير مبرّر لدفاعات المنطقة العسكرية الأولى
رغم أن المنطقة العسكرية الأولى تضم ستة ألوية قوامها نحو خمسة آلاف جندي وأكثر من 100 دبابة، إضافة إلى مخازن أسلحة تحت الأرض، فإنها لم تُبدِ أي مقاومة.
وتشير مصادر عسكرية إلى أن قائد المنطقة اللواء الركن صالح الجعيملاني أصدر توجيهات مفاجئة للضباط بـ “عدم المقاومة والتسليم”، مرفقة بتهديدات في حال عدم الامتثال، الأمر الذي أدى إلى انهيار كامل خطط الدفاع التي شملت نشر دبابات وتلغيم بعض المواقع.
وتضيف المصادر أن قيادة المنطقة حاولت خلال الأيام الماضية التواصل مع وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، لكنها لم تتلقَ أي رد.
الطريق إلى سيئون… مرور آمن قرب الحقول النفطية
قبل دخول سيئون، وصلت قوات الانتقالي إلى منطقة الحكمة بمديرية ساه، عبر الخط القريب من الحقول النفطية، حيث تتمركز قوات حماية حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش، دون حدوث أي صدامات أو اعتراضات.
وسبق هذه التحركات إقامة فعالية جماهيرية كبيرة بمناسبة 30 نوفمبر في سيئون، اعتبرها مراقبون “تفويضاً شعبياً” للمجلس الانتقالي للتحرك في حضرموت، وفق ما نقلته وسائل إعلام جنوبية.
قيادة المنطقة تنفي… لكن الوقائع على الأرض تؤكد السقوط
وفي الوقت الذي أعلنت فيه قيادات عسكرية في المنطقة الأولى أن ما يُنشر عن سقوط معسكراتها “شائعات”، وأكدت أن “الأوضاع تحت السيطرة”، كانت التقارير الميدانية والصور المنتشرة على وسائل التواصل تُظهر سيطرة قوات الانتقالي داخل المعسكرات والمطار والقصر الجمهوري.
وتفقد قائد المنطقة عدة مواقع أمامية في محاولة للرد على تلك المعلومات، لكن الوقائع على الأرض كانت تشير إلى انتهاء نفوذ المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت.
حضرموت بالكامل تحت سيطرة الانتقالي
بعد سقوط سيئون، تكون قوات الانتقالي قد أكملت سيطرتها على كامل محافظة حضرموت.
ليبقى معسكر ثمود المعسكر الوحيد الذي لم تقتحمه قوات الانتقالي، والذي أعلن جنوده عدم استعدادهم للقتال ورفعوا علم الجنوب فوق المعسكر، وفق مصادر محلية، وبذلك تنضم حضرموت إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانتقالي وهي: عدن، الضالع، أبين، شبوة، وسقطرى، في تحوّل يعيد رسم خريطة النفوذ العسكري في البلاد.
وفد سعودي رفيع يصل حضرموت بالتزامن مع التطورات
بالتوازي مع سيطرة قوات الانتقالي على سيئون، وصل وفد سعودي رفيع إلى محافظة حضرموت، في زيارة غير معلنة مسبقاً، شملت مدينة المكلا وعدداً من المقرات الأمنية والإدارية.
وبحسب مصادر خاصة، فإن الوفد ضم مسؤولين عسكريين وأمنيين من قوات التحالف، وعقد سلسلة لقاءات مع قيادات محلية وشخصيات قبلية، لمناقشة “ترتيبات أمنية جديدة” في المحافظة.
ويرى مراقبون أن توقيت الزيارة الذي جاء خلال ساعات من دخول الانتقالي إلى سيئون يعكس محاولة سعودية لاحتواء المشهد وضمان عدم انزلاق الأوضاع إلى مواجهات واسعة، خصوصاً في ظل التوترات القائمة بين الأطراف المحلية حول ملف وادي حضرموت.
كما يُعتقد أن الوفد ناقش مستقبل انتشار القوات، وتأمين المنشآت النفطية، ووضع ترتيبات تتعلق بالمعابر والحدود البرية والبحرية للمحافظة.
وتأتي الزيارة ضمن تحرّكات سعودية أوسع لإعادة تقييم الوضع الأمني في حضرموت بعد الأحداث الأخيرة، في إطار جهودها للحفاظ على الاستقرار وضمان عدم تهديد خطوط الإمداد والمصالح الاقتصادية في المنطقة الشرقية.
“درع الوطن”… بين الانتشار والتغييب في اللحظة الفارقة
بدأت قوات درع الوطن المدعومة من السعودية عملية استلام وادي حضرموت ومنطقة الخشعة، وذلك عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المواقع التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، في خطوة تعكس تحولا لافتا في السيطرة العسكرية شرق البلاد.
وأكدت مصادر اخبارية بدء انتشار قوات درع الوطن السعودية في مواقع استراتيجية بوادي حضرموت، ضمن ترتيبات دقيقة ومتابعة مباشرة من قيادة تحالف دعم الشرعية لتولي الملف الأمني في تلك المناطق.
ورغم الانتشار الملحوظ لقوات درع الوطن في وادي حضرموت خلال الأسابيع التي سبقت اقتحام سيئون، فإن حضورها ظل أقرب إلى “الوجود الشكلي” منه إلى القوة الفاعلة على الأرض. فبحسب بيانات حكومية وتصريحات عسكرية، جاءت هذه القوات إلى الوادي بهدف “تأمينه” ودعم المنطقة العسكرية الأولى في حماية المؤسسات والطرقات الحيوية. غير أنّ التطورات اللاحقة كشفت عن فجوة بين ما أُعلن وما جرى فعلياً؛ إذ لم تظهر درع الوطن في خطوط المواجهة الأولى خلال هجوم قوات المجلس الانتقالي على سيئون، ولم تسجَّل لها مشاركة مباشرة في محاولة صد الاقتحام أو حماية المدينة، رغم أنها كانت الأقرب جغرافياً إلى نقاط التماس.
ومع صدور قرار رئاسي بضم ألوية درع الوطن إلى القيادة العملياتية للمنطقة العسكرية الأولى، بدا أن الخطوة جاءت متأخرة وبعد أن كان ميزان السيطرة على الأرض قد اختل فعلاً لصالح الانتقالي. هذا الغياب العملي للدور الميداني أثار تساؤلات واسعة بين الأهالي والمراقبين حول الهدف الحقيقي من انتشار هذه القوات، وما إذا كانت قد وُضعت في المشهد الحضرمي بوظيفة سياسية أكثر منها أمنية.
كما دفعت الأحداث إلى التشكيك في قدرة درع الوطن على لعب دور عسكري مستقل أو حاسم في لحظات الانفجار الأمني، خصوصاً مع بروز مؤشرات على تنازع الصلاحيات بين القيادات المحلية والتحالف.
وهكذا، بدت قوات درع الوطن في أخطر لحظات حضرموت غائبة عن الفعل وحاضرة فقط في البيانات، الأمر الذي عمّق الشكوك حول فعاليتها، وفتح الباب لتحليلات تتحدث عن توظيفها في إعادة توزيع النفوذ أكثر من كونها قوة لحماية المدنيين أو فرض الاستقرار.
انعكاسات غياب دور درع الوطن على موازين القوى في اليمن
شكل الغياب الواضح لدور قوات درع الوطن عن أحداث سيئون نقطة تحوّل لافتة في قراءة المشهد اليمني؛ إذ بدا أنّ القوة التي رُوّج لها باعتبارها الذراع الأحدث للدولة والبديل الجاهز لإعادة ترتيب المشهد الأمني، لم تكن حاضرة في اللحظة التي كان يفترض أن تثبت فيها وجودها وفاعليتها.
هذا الضعف ترك فراغاً استغلته القوى الأكثر تنظيماً وانتشاراً على الأرض، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تمكن عملياً من فرض أمر واقع جديد في الوادي، ما جعل الكثيرين يعيدون تقييم خريطة النفوذ العسكري في الجنوب الشرقي لليمن.
وبينما كان يُفترض بدرع الوطن أن تمثل قوة توازن تمنع انفراد أي طرف بالساحة، أدى غيابها إلى اختلال المعادلة الأمنية، وسمح للانتقالي بتوسيع نطاق تحركه دون مقاومة تذكر. ومع توسع هذا النفوذ في واحدة من أهم المحافظات اليمنية اقتصادياً وجغرافياً، بدا واضحاً أن التأثير لن يظل محصوراً في حضرموت وحدها، بل سيمتد ليعيد تشكيل موازين القوى على مستوى اليمن كله. فالمشهد اليوم يشير إلى تراجع فعلي لدور الدولة المركزية في إدارة الملف العسكري، مقابل صعود قوى محلية تمتلك تنظيماً وصلابة أكبر، وتستفيد من حالة الارتباك التي تعيشها المؤسسات الرسمية.
وفي المحصلة، شكّل ضعف دور درع الوطن — سواء بسبب غياب القرار السياسي أو تضارب الولاءات — علامة فارقة على مرحلة جديدة تدخلها البلاد، مرحلة تتراجع فيها قدرة الدولة على إدارة الجغرافيا، وتتقدم فيها القوى شبه العسكرية لتحدد مستقبل المحافظات الجنوبية والشرقية، وهو مستقبل بات مفتوحاً على سيناريوهات أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
مستقبل حضرموت… وغموض يخيّم على المشهد اليمني كله
تفتح سيطرة قوات الانتقالي على سيئون ووادي حضرموت الباب واسعاً أمام مرحلة شديدة التعقيد في مستقبل المحافظة واليمن عموماً.
فحضرموت، باعتبارها أكبر المحافظات مساحة وأهمها استراتيجياً واقتصادياً، لطالما كانت محور صراع النفوذ بين الأطراف اليمنية، ومع سقوط واديها بيد الانتقالي، تدخل المحافظة منعطفاً جديداً محفوفاً بالغموض.
ويرى محللون أن حضرموت اليوم تقف أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. ترتيبات أمنية مؤقتة قد تفرضها التحركات السعودية المتسارعة لاحتواء التوتر.
2. تثبيت الأمر الواقع وانتقال المحافظة بالكامل إلى سلطة الانتقالي، ما قد يغير موازين القوى في الجنوب ويقوّي مشروع الانفصال.
3. تصاعد التوتر بين الأطراف اليمنية الرافضة لما حدث، وهو ما قد يفتح باباً لصراعات جديدة شرق البلاد.
أما على مستوى اليمن ككل، فإن ما حدث في سيئون يعمّق حالة التشظي الفعلي للبلاد، ويؤكد أن خريطة النفوذ تتجه إلى مزيد من الانقسام، بينما تغيب أي عملية سياسية حقيقية قادرة على جمع الأطراف المتنازعة حول مشروع وطني شامل. ومع تزايد الانهيار في مؤسسات الدولة واقتراب الأطراف من خطوط تماس جديدة، يبدو المستقبل مفتوحاً على احتمالات أكثر اضطراباً، ما لم تتدخل حلول إقليمية ودولية توقف انهيار المشهد وتفرض مساراًسياسياً واضحاً.
مرحلة جديدة من إعادة تشكيل المشهد
تشير التطورات الأخيرة إلى مرحلة جديدة في مسار الحرب، قد يكون لها تأثير مباشر على مستقبل السيطرة في شرق البلاد، وعلى موازين القوى بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي المدعوم إقليمياً.
وتظل الأسئلة مفتوحة حول أسباب الانهيار المفاجئ لقوات المنطقة الأولى رغم قوتها، والغياب التام لأي موقف حكومي واضح أو تحرك عسكري لوقف السقوط، والتداعيات السياسية والعسكرية لهذا التغيير على مستقبل حضرموت واليمن عموماً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news