العم محمد عيده .. بين سوق الشيخ عثمان وقسوة الأيام

     
الأمناء نت             عدد المشاهدات : 117 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
العم  محمد عيده ..  بين سوق الشيخ عثمان   وقسوة الأيام

عند أطراف سوق الشيخ عثمان في عدن، حيث تتشابك الأصوات وتعلو حركة الناس بين البائعين والمارة، يعيش رجل يبلغ من العمر خمسًا وستين سنة، اسمه العم محمد عيده أحمد، ينحدر من مدينة إب الجبلية الهادئة. جاء إلى عدن قبل سنوات بحثًا عن رزقٍ يقيه الحاجة، لكنه وجد نفسه في مواجهة حياة أكثر قسوة مما توقّع.

العم محمد يعمل في بيع الخردة في سوق الشيخ عثمان  منذ سنوات طويلة. يشتري ما يجده من قطع حديدية قديمة، وأسلاك مستعملة، وبقايا أجهزة كهربائية لم تعد تنفع أصحابها. يجمعها، يفحصها، ثم يبيعها لمن يطلبها ليقتات مما يحصل عليه في نهاية اليوم. عملٌ ليس سهلًا، فهو يحتاج إلى جهدٍ بدني، وصبر، ومدة طويلة تحت حرارة الشمس ورطوبة عدن، لكنه لم يجد غيره بابًا يطرقه.

 العم محمد رجلاً طيبًا هادئ الملامح، يملأ وجهه تعب السنين، وتزين ابتسامته حكمة طويلة صنعها الزمن.  عاش مع زوجته رغم حرمانه من اولاده حياة هادئة، مليئة بالمحبة على الرغم من قلة المال وضيق الحال.يقول في حديثه:" كانت زوجته شريكة العمر، سندًا وحضنًا دافئًا يشد أزره في أيّام الشدة.

لكن القدر لم يكن لطيفًا دائمًا…

ففي صباحٍ حزين، رحلت زوجته عن الدنيا بعد صراعٍ قصير مع المرض، تاركة خلفها فراغًا لا يملؤه أحد، وبيتًا لم تعد فيه رائحة القهوة التي كانت تعدها، ولا دعاؤها الذي كان يرافقه كلما خرج إلى عمله.

أمّا المفاجأة التي لا يعرفها كثير ممن يمرّون قرب محمد كل يوم، فهي أنه لا يملك بيتًا يعود إليه. فراشه قطعة كرتون يفترش بها الأرض بين أكوام الحديد عند زاوية من زوايا السوق. ينام هناك كل ليلة، تحت سقفٍ من صفيح، يفترشه الغبار، وتؤنسه أصوات القطط الشاردة وحركة القِطَع المعدنية التي تتحرك بفعل الرياح. ينام وسط الخردة… لأنها المكان الوحيد الذي يملكه.

ورغم هذا، يبدأ العم محمد يومه بعد صلاة الفجر، ينهض ببطء شديد، وكأن كل عظمة في جسده تحتاج إلى وقت لتتذكر مهمتها. يمسح وجهه بماء بارد من إناء بالقرب من السوق، يرفع يديه بالدعاء، ثم يجلس ليُرتّب قطع الخردة أمامه استعدادًا ليومٍ جديد.

لكن العم  محمد لا يواجه صعوبة الفقر فقط؛ فهو يعاني من مرض في البروستات والمجاري البولية، مرض ينهشه بصمت، يجعله يستيقظ مرهقًا، ويمشي متكئًا على جسده المنهك. الألم يرافقه في كل خطوة، والتنقل بين الزبائن صار معركة يخوضها كل يوم. أحيانًا يضطر للتوقف بسبب المغص الشديد أو الحرقان المؤلم، لكنه يعود للعمل رغم معاناته، لأنه يعرف أن الغياب يعني يومًا بلا طعام.

العم محمد لا يشتكي. من يراه يظنه رجلًا بسيطًا منشغلًا بعمله فقط، لكن الحقيقة أن داخله حربًا يخوضها بصمت. بالنسبة له، المرض ليس أصعب ما يمر به؛ الأصعب هو أن يستيقظ كل يوم وهو لا يعرف كيف سيؤمّن وجبته أو علاجًا يخفف عنه الألم.

دخله اليومي لا يتجاوز ما يسدّ جوعه. يوم يحصل على 2000 ريال، ويوم أقل، وربما يمر يوم كامل دون أن يكسب شيئًا. رغم ذلك، يحافظ على ابتسامة خفيفة عندما يسأله المارة:

"كيف الأمور يا حاج محمد؟"

فيجيب: "الحمد لله… نحمد الله على الموجود."

في عزّ الظهيرة، بينما ينشغل الباعة الآخرون في الحراج، يجلس العم محمد مفترش الأرض، يمسك قطعة حديد دائرية، ينظر إليها وكأنه يبحث فيها عن شيء أعمق من قيمتها. ربما يبحث عن ذاكرة جميلة، ربما يتساءل كيف انتهى به العمر هنا، أو ربما يفكر في شيء واحد فقط… اليوم التالي.

العم محمد لديه أخوة، لكن كل واحد منهم مشغول في حياته، وتفرقت بهم الظروف. لا يحمّله أحد مسؤولية تركه وحده، فهو يدرك أن ظروف البلاد ضيّقت الأمل على الجميع. دائمًا يقول:

"ما ألوم حد… كلنا تعبنا."

ومع ذلك، لم يعتد قلبه على الوحدة. حين يهبط الليل وتخفت ضوضاء السوق، يجد نفسه وحيدًا بين قطع الحديد، يفترش وسادته الكرتونية، يضم جسده النحيل، ويستمع لصوت الرياح وهي تصطدم بالصفيح فوق رأسه. تلك اللحظات هي الأصعب، حين يشعر بثقل المرض وبرودة المكان، لكنه يربت على صدره ويهمس لنفسه:

"غدًا يوم جديد… الله كريم."

يقول في حديثه )في إحدى الليالي الماطرة، تسربت مياه الشتاء إلى زاويته الصغيرة، بللت فراشه البسيط وأغرقت المكان. ظل جالسًا لساعات لا يستطيع النوم، يرتجف من البرد، ويحاول حماية ما لديه من قطع حديد حتى لا تتلف. ومع ذلك، حين سأله أحد الباعة في الصباح: "كيف قضيت الليل؟" ضحك وقال:

"الحمد لله… المطر خير."

هذا الرجل الذي يبدو ضعيفًا يحمل في داخله قوة لا تُرى بالعين. قوة تجعل رجلًا يبلغ الخامسة والستين يواصل العمل رغم المرض، ويبتسم رغم قسوة الحياة، وينام على الأرض لكنه ينهض وكأنه يملك الدنيا.

العم محمد ليس مجرد بائع خردة. هو شاهدٌ على زمن صعب، ورمزٌ للصبر والكرامة. رجل عرف أن الحياة تُؤخذ كما هي، فقبلها رغم قسوتها، ومضى فيها بلا شكوى، مكتفيًا بما يمنحه الله كل يوم.

قد يراه المارة في السوق رجلًا بسيطًا يجلس خلف أكوام الحديد، لكن الحقيقة أنه قصة إنسانية من لحم ودم… رجلٌ يعيش ويصارع بصمت، ويعلمنا معنى الصبر دون أن ينطق .

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

نجاة “بن حبريش” وحقيقة “أبو علي الحضرمي” وعلاقة إسرائيل.. خفايا وكواليس غزو حضرموت يرويها القيادي في حلف قبائل حضرموت “بن مخاشن”

بران برس | 1537 قراءة 

فيديو| من مواليد إثيوبيا عمل خادمًا في منزل “البيض” ثم اعتنق الأثنى عشرية.. من هو “أبو علي الحضرمي”؟

بران برس | 1204 قراءة 

خبر صادم جدا للرأي العام من حضرموت

مراقبون برس | 1058 قراءة 

مسؤول إماراتي يهدد بدعم الحوثيين لحكم اليمن كاملاً إذا لم يقبل اليمنيون بدولتين ”شمال وجنوب”

المشهد اليمني | 1018 قراءة 

السعودية تفرض الإقامة الجبرية على رئيس حكومة عدن سالم بن بريك

موقع الجنوب اليمني | 1001 قراءة 

السعودية تكشف لأول مرة عن الجهة التي عطلت تحرير العاصمة صنعاء.. أوراق الزبيدي وأطماعه على الطاولة

مأرب برس | 999 قراءة 

شيخ قبلي يتحدث عن مفاجأة للجميع بتنسيق غير معلن بين الرياض والحوثيين - [تفاصيل]

بوابتي | 781 قراءة 

تصعيد مرتقب… خالد سلمان يتحدث عن تحركات حاسمة في محافظتين

نيوز لاين | 588 قراءة 

عاجل:تدشين مرتبات الجيش والامن بهذا الموعد

كريتر سكاي | 572 قراءة 

صلاح بن لغبر يكشف عن مخطط خبيث لحكومة الشرعية يستهدف شعب الجنوب وقضيته (تفاصيل خطيرة)!

صوت العاصمة | 520 قراءة