تشهد حضرموت لحظة سياسية مفصلية تعيد رسم موازين القوة في الجنوب وتعيد تعريف علاقتها بمراكز النفوذ التقليدية في اليمن. الاعتصام الشعبي السلمي في شارع الستين بسيئون لم يأتِ كحدث احتجاجي عابر، بل تجلى منذ لحظاته الأولى كفعل تاريخي ممتدّ، كشف عن وعي جديد وصاعد لدى أبناء حضرموت وعموم الجنوب، وعبّر عن إدراك شعبي عميق بأن مرحلة الانتظار قد انتهت، وأنّ الحاجة إلى تموضع جديد يتجاوز الخطر ويحصّن المستقبل أصبحت ضرورة وجودية.
-حضرموت تحسم موقفها
تاريخ حضرموت والجغرافيا التي تتحكم بها جعلاها في كثير من اللحظات محوراً لمحاولات القوى المتصارعة للتمدّد جنوباً. غير أن الرسالة التي خرج بها المعتصمون اليوم كانت واضحة لا لبس فيها: حضرموت ترفض أن تكون مدداً للإمامة الحوثية أو جسراً جديداً لتمددها نحو الجنوب.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، بل تأسس على قراءة سياسية معمّقة تستحضر الماضي القريب حين سقطت مناطق واسعة في اليمن في قبضة الحوثيين لأن الأطراف المحلية لم تقرأ الخطر في وقته. أما اليوم، فتبدو حضرموت أكثر يقظة، وأكثر إدراكاً لتداعيات بقاء المنطقة العسكرية الأولى كحلقة وصل بين الحوثيين وأطماعهم التوسعية.
اقرأ المزيد...
بيان صادر عن شباب الغضب بوادي وصحراء حضرموت
1 ديسمبر، 2025 ( 8:19 مساءً )
انتقالي الضالع يكرم معلمات رياض الأطفال بالمحافظة تزامنًا مع ذكرى عيد الاستقلال
1 ديسمبر، 2025 ( 8:11 مساءً )
المعتصمون أدركوا أن الإبقاء على المنطقة الأولى في وادي حضرموت يعني عملياً توفير منفذ استراتيجي للحوثيين للاقتراب من الجنوب، وأن أي تساهل أو تأخير في مواجهتها لن يعود إلا بكلفة مضاعفة على حضرموت خاصة وعلى الجنوب عامة.
-التخادم الإخواني – الحوثي
التحليل الأمني والسياسي لسنوات طويلة يُظهر جلياً أن المنطقة العسكرية الأولى لم تعد مؤسسة وطنية بالمعنى التقليدي، بل تحولت إلى مركز تخادم مباشر بين الإخوان والحوثيين.
شبكات التهريب، خطوط الدعم اللوجستي، عمليات نقل المطلوبين، وإيواء عناصر مرتبطة بالإرهاب، كلها ظواهر ارتبطت بهذه المنطقة.
لقد تشكلت عملياً بنية أمنية موازية لا تخضع للقرار الشرعي، بل تديرها قوى تعارض الجنوب وتتناغم بصورة مريبة مع الأجندة الحوثية.
هذا التخادم أصبح جزءاً من المشهد السياسي والأمني في وادي حضرموت، ومعه بات من الواضح أن بقاء المنطقة العسكرية الأولى لم يعد مجرد مشكلة إدارية أو خلاف داخلي، بل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.
لذلك تحوّل مطلب رحيل هذه القوات إلى قضية وجودية، لا قراراً فنياً أو مطلباً محلياً.
-اعتصام سلمي شعبي شامل
تميز الاعتصام بطابع سلمي صارم ومؤكد، ما أضفى عليه قوة سياسية استثنائية.
لم يظهر سلاح، ولم تُرفع شعارات ذات طابع حزبي، بل حضرت حضرموت بكل أطيافها.
هذا الطابع السلمي لم يكن مجرد خيار أخلاقي، بل خطوة سياسية واعية أخذت بالحسبان الظروف الإقليمية والدولية.
فالتحرك الشعبي السلمي يمنح الاعتصام شرعية داخلية واسعة، وقوة أخلاقية لا يمكن تجاهلها، وغطاءً سياسياً أمام المجتمع الدولي الذي يراقب مثل هذه التحركات.
وإصرار المعتصمين على التأكيد بأن الفعالية شعبية سَلِمية، وأنها تمثل كل شرائح المجتمع، جعل الاعتصام أقرب إلى استفتاء شعبي مفتوح على مستقبل وادي حضرموت، لا مجرد تحرك احتجاجي محدود.
-الرد الشعبي المباشر مصطلح يصنع السياسة
مصطلح “الرد الشعبي المباشر” الذي ارتبط بالاعتصام لم يكن مصطلحاً إعلامياً فحسب، بل أداة تحليل سياسي بحد ذاته.
هذا التعبير عبّر عن فهم واعٍ بأن التحرك جاء من الناس أنفسهم، وأنه ليس جزءاً من لعبة نخب سياسية أو قرار فوقي.
التحرك بزخمه، واتساعه، واستمراريته، أعاد تعريف القوة الشعبية بوصفها طرفاً فاعلاً في المشهد السياسي.
لقد قدّم الاعتصام نفسه كـ استجابة جماهيرية تلقائية على تهديد مستمر تمثله المنطقة العسكرية الأولى عبر ارتباطها المباشر بالمشروع الحوثي–الإخواني.
-شارع الستين بسيئون اختيار المكان كفعل سياسي لا جغرافي
المخيم الشعبي في شارع الستين بسيئون تحوّل خلال الأيام الماضية إلى مركز ثقل سياسي.
اختيار المكان لم يكن صدفة، فالأهمية الجغرافية لشارع الستين جعلت منه موقعاً مثالياً لإيصال رسالة مفادها أن الاعتصام ليس محصوراً في زاوية، بل يحتل قلب المدينة ويمد تأثيره إلى كل أطراف وادي حضرموت.
استقبال الوفود القادمة من مختلف المديريات جسّد الإرادة الموحدة بين أبناء حضرموت.
لقد بدا المكان كمنصة وطنية مفتوحة، تجمع كل الأطياف وتحمل صوتاً واحداً: حضرموت ترفض أن تكون ممراً للإرهاب أو منصة لتثبيت الوجود الحوثي–الإخواني.
-المنطقة العسكرية الأولى والإرهاب
الخطاب الشعبي والإعلامي المواكب للاعتصام ركز على ربط المنطقة العسكرية الأولى بالإرهاب بوصفه واقعاً لا يمكن تجاوزه.
التقارير الأممية التي تتحدث عن استخدام وادي حضرموت كممر للتهريب، ووجود عناصر مطلوبة دولياً في مناطق سيطرة القوات التابعة للمنطقة الأولى، جعلت الربط بينهما أكثر وضوحاً وأكثر قبولاً في الأوساط المحلية والإقليمية.
ربط مطلب رحيل هذه القوات بملف مكافحة الإرهاب والقرارات الأممية لم يكن خطوة تكتيكية، بل استراتيجية سياسية توفر غطاء دولياً يُصعّب على أي طرف الدفاع عن بقاء المنطقة الأولى بتكوينها الحالي.
-الخطر الوجودي حضرموت تواجه معركة مستقبل
أحد أهم أبعاد الاعتصام يتمثل في أنّ أبناء حضرموت أعادوا تعريف الصراع.
ما يجري اليوم ليس نزاعاً على إدارة مديرية أو موقع نفوذ، بل صراع وجودي.
بقاء المنطقة الأولى يعني بقاء الخطر على حضرموت، وفتح الباب لتوسع الحوثيين، واستمرار دور شبكات الإرهاب. هذا الوعي الوجودي شكّل العمود الفقري للاعتصام، ومنحه قوة سياسية تُشبه قوة إعلان مصير.
-التحرير الهدف الصريح للمعتصمين
المعتصمون أعلنوا أهدافهم بوضوح: تحرير كامل مديريات وادي وصحراء حضرموت، وبسط السيادة الأمنية الجنوبية عليها. هذا الإعلان جعل الاعتصام جزءاً من المشروع الوطني الجنوبي الشامل، لا فعالية محلية أو مطلباً مناطقياً. لقد أصبح التحرير جزءاً من رؤية موحدة تسعى لإعادة صياغة الواقع الأمني للجنوب كاملاً.
-اعتصام بلا توقف حتى تحقيق المطالب
الإصرار الشعبي على أن الاعتصام لن يتوقف إلا بتحقيق المطالب كاملة شكل نقطة قوة كبرى. لا توجد مماطلة، ولا مجال للمقايضات، ولا تفاوض على الحقوق الأمنية والسيادية. هذا الوضوح أنتج موقفاً سياسياً صلباً يصعب كسره أو الالتفاف عليه.
الأول من ديسمبر يوم مفصلي لحضرموت والجنوب
الدعوات للحشد يوم الاثنين 1 ديسمبر 2025م، حملت دلالات سياسية عميقة.
أبناء حضرموت اعتبروا هذا اليوم يوماً فاصلاً في مسار المعركة الأمنية والسياسية في الوادي. الحشد غير المسبوق المتوقع أن يتوافد إلى ساحة الاعتصام يمثل استفتاءً جماهيرياً على مستقبل حضرموت.
-معركة حضرموت هي معركة الجنوب
النداءات المتكررة التي وُجهت للقوى الوطنية الجنوبية عكست حقيقة أن معركة وادي حضرموت ليست خاصة بالحضرميين وحدهم.
إنها معركة الجنوب بأكمله من أجل استعادة قراره، وحماية حدوده، وتحصين مشروعه الوطني.
-تفويض مفتوح للإرادة الجماهيرية
مواقع التواصل الاجتماعي شهدت موجة تفاعل غير مسبوقة مع الاعتصام، بما يعكس تفويضاً شعبياً واسعاً ودعماً جماهيرياً عابراً للمناطق.
صور المخيم، شهادات المشاركين، التغطيات المباشرة، كلها أسهمت في تحويل الاعتصام إلى ظاهرة وطنية جنوبية جامعة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news