لم يعد الثاني من ديسمبر حدثًا يمكن احتواؤه في إطار الذاكرة السياسية أو توصيفه في مراكز الأبحاث كحلقة ضمن سلسلة "الصراع"، بل تحول إلى نقطة اختبار حاسمة لطبيعة الدولة التي يريدها اليمنيون وحدود التسوية الممكنة مع واقع المليشيا، فالمسألة لم تكن اندفاعًا عاطفيًا أو مواجهة عابرة، بل لحظة كشف عميقة لطبيعة المعركة وأطرافها وخياراتها النهائية من دافع وطني خالص.
تكمن أهمية هذه الثورة في أنها نقلت المعركة مع المشروع الحوثي إلى آفاق أوسع، وأسست لقطيعة شاملة مع هذه المليشيا الإرهابية، لتتحول المعركة مع المليشيا إلى كفاح مسلح داخل العاصمة التاريخية صنعاء، التي حرص الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح على البقاء فيها للتصدي لوكلاء إيران، بكل الأساليب، وصولًا إلى المقاومة المسلحة.
ما منح هذه اللحظة وزنها السياسي أنها أنهت مساحة الرماد التي سادت بعد انقلاب 2014، وفرضت اصطفافًا واضحًا بين مشروعين متناقضين، مشروع يقوم على فكرة الدولة والمؤسسات، وآخر يستند إلى القوة المسلحة خارج أي إطار وطني جامع.
وعند هذه النقطة، انتقلت المعركة إلى خلاف وجودي حول شكل الدولة نفسها ومعايير شرعيته عندما أدرك الزعيم الشهيد أن الحوثيين مليشيا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتمي للدولة الوطنية ولا يمكن ثنيها عن أطماعها إلا بالقوة والسلاح.
في هذا السياق، أسهم الثاني من ديسمبر في تعرية البنية الحقيقية للمشروع الحوثي، بوصفه مشروعًا لا يتعامل مع الدولة كغاية، بل كوسيلة مؤقتة قابلة للتفكيك حين تتعارض مع منطقه الأيديولوجي. كما أعاد طرح مفهوم الشرعية خارج اختزالها في الوقائع المفروضة بالقوة، ليعيدها إلى معناها السياسي والمؤسسي المرتبط بالإجماع والدستور ووحدة القرار الوطني.
وبينما فشلت محاولات احتواء تلك اللحظة أو طيها سياسيًا، تحولت مخرجاتها لاحقًا إلى مسار عملي داخل المعسكر الجمهوري، تمثل في إعادة بناء الفعل السياسي والعسكري على أسس تنظيمية واضحة.
ومع انتقال القيادة الميدانية إلى الفريق أول ركن طارق صالح، خرجت ديسمبر من إطار اللحظة الرمزية إلى مشروع ممتد، يسعى لإعادة تعريف القوة بوصفها وظيفة للدولة لا بديل عنها.
وعليه؛ فإن الثاني من ديسمبر لا يُقرأ كذكرى قابلة للاستدعاء الرمزي، إنما كمعيار دقيق لفهم اتجاه المعركة ومساراتها المحتملة؛ إما استعادة تدريجية للدولة ومؤسساتها كما خط هذا الهدف الزعيم الشهيد بدمه، أو انزلاقًا دائمًا نحو واقع اللا حرب واللا سلم. وبين هذين الخيارين، تتحدد كلفة التأجيل وحدود الممكن السياسي في اليمن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news