ما جرى لقناة «بلقيس» ليس مجرد توقف طارئ ولا حادثًا معزولًا؛ إنه سقوط مدوٍّ لمحطةٍ ظلت لسنوات تبث من خارج أرضها وتعتمد في بقائها على مزاج الممول وقرار المضيف.
ما حدث لـ«بلقيس» اليوم يمكن أن يحدث غدًا لكل القنوات الحزبية والرسمية اليمنية التي اختارت أن تعيش خارج وطنها وتربط مصير العاملين فيها بخيوط تمسك بها أطراف لا ترى في الإعلام سوى أداة للضغط والمساومة.
الإغلاق لم يكن ماليًا، وهذه الحقيقة يقررها موظفو القناة أنفسهم بتأكيدهم أنهم لم يسمعوا يومًا عن أزمة أو عجز أو حتى تلميح بوجود مشكلة، وهذا وحده يكفي لفهم طبيعة القرار وخلفياته ومن يقف وراءه.
لطالما قلنا على شاشاتهم، وفي مقدمتها شاشة «بلقيس»، إن الفارق بيننا وبينهم أننا واقفون على أرضنا، نبني مؤسساتنا من بين ناسنا، ونحافظ على استقلال قرارنا الإعلامي والسياسي، بينما انشغلوا هم بعيدًا عن وطنهم بمهاجمة الجنوب وقضيته وقيادته وقواته المسلحة، فكانوا كمن يترك بيته يحترق ثم ينشغل بجاره.
في اللحظة التي أعلنت فيها «بلقيس» توقف بثها من مقرها المؤقت في تركيا، كانت «قناة عدن المستقلة» تبث الخبر من مقرها الدائم في قلب التواهي، العاصمةِ السياحيةِ لعدن. والمشهد وحده يكفي لمن يريد أن يفهم: من اختار الأرض وضحّى لأجلها ثبت، ومن اختار الارتهان تهاوى عند أول اهتزاز. هذا ليس درسًا إعلاميًا فحسب، بل درسًا في معنى الكرامة والانتماء.
ورغم كل ما حملته سنوات «بلقيس» من خطاب عدائي تجاه الجنوب وقضيته العادلة وقيادته السياسية، إلا أننا نتعاطف اليوم مع معاناة عشرات الشباب والشابات من طاقمها الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا دخل ولا وطن آمن يعودون إليه. هؤلاء ــ وليس من صنع القرار ــ هم الضحية الحقيقية، ونتمنى لهم مخرجًا كريمًا من محنتهم.
وأقول لإخواننا الإعلاميين والمثقفين والناشطين من أبناء الشمال:
تعلّموا من درس «بلقيس». لا كرامة لكم خارج أرضكم، ولا مستقبل لمن يحارب الجنوب، الجنوب الذي «تعادونه بلا حجة»، فهو ليس عدوكم ولا خصمكم، بل شريككم الطبيعي في الدفاع عن الحق وبناء مستقبل آمن لكم ولنا.
نصيحة صادقة: انزعوا الغل من قلوبكم، ووجّهوا جهودكم نحو قضيتكم الحقيقية، فهناك فقط مكانكم ومصدر قوتكم وكرامتكم.
منصور صالح
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news