اليمن في الصحافة العالمية
المصدر: ديلي صباح التركية .متابعات.موسى المليكي.
يتفكك الحوثيون بينما تتعثر إيران، تاركين اليمن على حافة تصفيات حسابات إقليمية جديدة. ينزلق الشرق الأوسط نحو عاصفة أخرى، أكثر غموضًا من أي وقت مضى في ذاكرته الحديثة.
فما بدأ كاشتباكات محدودة بين إسرائيل وإيران أصبح الآن يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة.
وفي هذه اللحظة المتوترة، يقترب الحوثيون في اليمن من الخطر. لقد أدت الضربة الإسرائيلية التي قضت على جزء كبير من حكومتهم إلى أكثر من مجرد قتل لقادتهم؛ إذ دمرت هالة طاقتهم التي اعتقدوا أنها لا تقهر وكشفت مدى اعتمادهم على القوة الإيرانية المتراجعة.
لسنوات، كان الحوثيون يصفون أنفسهم بكونهم طليعة المقاومة، وحراس الدين والسيادة ضد التهديدات الأجنبية. غير أنه منذ تلك الضربة، انهارت هذه الصورة. لقد تحول تمردهم إلى الداخل، واستبدل بالشك والانتقام. ولهوسهم بالسيطرة، يقوم قادة الحوثيين الآن بتطهير صفوفهم، ومطاردة الخونة المتخيلين، وإسكات المعارضة. وما كان يدعى في السابق على أنه حركة تحرر أصبح الآن نظامًا منغلقًا يغذي نفسه على الخوف.
- من المقاومة إلى الاضمحلال
أصبح الخوف هو المصدر الحقيقي للسلطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وفي الأسابيع الأخيرة، استبدل القضاة المستقلون بقضاة موالين، محولين المحاكم إلى أداة للسيطرة السياسية. تحذر منظمة سام لحقوق الإنسان من أن الجماعة تخطط لعقد محاكمات جديدة لإسكات من تبقى من المعارضة. وبينما تدين إسرائيل والولايات المتحدة كأعداء، يصف الحوثيون منتقديهم بالجواسيس الأجانب، مما يجعل من معارضتهم جريمة.
تظهر الاعتقالات في ذمار إلى أي مدى وصلت هذه الهواجس. يقبض على أعضاء سابقين في حزب الإصلاح وشخصيات مجتمعية وصحفيين من منازلهم على يد مسلحين ويختفون في أماكن احتجاز سرية. الرسالة الصادرة من صنعاء واضحة وهي أن طاعتكم تعني نجاتكم. فالحركة التي كانت مفتونة بتحدي القوى الأجنبية تحكم الآن من خلال نفس القمع الذي كانت تدينه سابقًا.
تكشف موجة القمع هذه ما هو أكثر من مجرد الخوف. إنها تكشف عن انهيار أعمق، حركة فقدت اتجاهها، قيادة بلا شرعية، وأيديولوجية استنزفت معانيها. لم يعد بإمكان الحوثيين قيادة الناس بالرضا أو الحكم بالكفاءة. إذ تعتمد قبضتهم الآن على الترهيب وحملات لا تنتهي ضد أعداء متخيلين.
لقد سرعت الضربة الإسرائيلية التي قضت على الغالبية العظمى من حكومة الحوثيين من انهيارهم الداخلي. وأظهرت التأكيدات المتأخرة لمقتل قيادي بارز حالة الفوضى في هرم سلطتهم. والآن يتصرف القادة المحليون كأمراء حرب، يديرون طرق التهريب ويجبون الضرائب من مناطقهم. وما كان يبدو سابقًا حركة منظمة أصبح الآن يعمل وفق المصالح الذاتية ومن أجل البقاء.
كما أن مشاكل إيران تزيد الأمور سوءًا. فقد أضحت الاتفاقية النووية في حكم الميتة، وعاودت العقوبات، وتستعد إسرائيل لشن ضربات جديدة، فيما تعد طهران بالانتقام. ينهار الاقتصاد الإيراني، وتتزايد الاحتجاجات، ويتراجع نفوذها في سوريا. وبالنسبة للحوثيين، فهذا يعني مالًا أقل، وأسلحة أقل، وتوجيهات محدودة. فبالرغم من أن راعيهم ما زال موجودًا، إلا أن حمايته بدأت بالتآكل.
- الدول العربية تستعد
السعودية والإمارات العربية المتحدة تدركان التغيرات في المشهد الإقليمي. كان دور سلاح الجو السعودي في مناورات مركز الحرب الجوي الصاروخي ATLC-35 في قاعدة الظفرة الجوية بالإمارات أكثر من مجرد استعراض للقوة؛ بل كان بمثابة بروفة لصراع محتمل. ركزت التدريبات على مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية التي تشبه تكتيكات الحوثيين باستخدام الطائرات والصواريخ الإيرانية. من الواضح أن الرياض وأبوظبي تستعدان لاحتمالية اندلاع الوضع في اليمن مرة أخرى إذا توسع التوتر بين إسرائيل وإيران.
وفي اليمن، يحاول مجلس القيادة الرئاسي الاستفادة من هذا الموقف العسكري بالتحول إلى سلطة سياسية. فخلال لقائه بالسفير البريطاني، شدد الرئيس رشاد العليمي على أن السلام الحقيقي يتطلب من الدولة السيطرة على جميع الأسلحة وقرارات الحرب. وكان تحذيره من تقديم تنازلات جديدة للحوثيين انعكاسًا للإحباط المتزايد. يبدو أن حكومة عدن تعتقد الآن أن الهدنة الهشة قد بلغت مداها.
الإمارات بدورها تسير على النهج نفسه. أخبر أنور قرقاش المبعوث الأممي هانس غروندبرغ أن أبوظبي لا تزال تدعم الدبلوماسية، بيد أن أفعالها توحي بنهج مزدوج. فالقوات المدعومة من الإمارات، وهي المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات التي يقودها طارق صالح وأبو زرعة المحرمي، تعيد ترتيب صفوفها بهدوء. فالحوار السياسي والتخطيط العسكري يتحركان مرة أخرى جنبًا إلى جنب.
تسعى الحكومات العربية لتجنب حرب إقليمية أخرى لكنها لا تثق بإيران. فالسعودية والإمارات ومصر والأردن تتعاون مع واشنطن مع الحفاظ على اتصالات محدودة مع طهران لمنع التصعيد. يتحدثون عن إحياء المحادثات النووية، رغم أن القليل منهم يعتقد أن ذلك سينجح. فهدفهم الرئيسي هو الاستقرار: حماية التجارة، وضمان أمان اقتصاداتهم، وتجنب الفوضى داخليًا.
ويتموضع اليمن بقلق في هذه المعادلة. كان الحوثيون في السابق شريك إيران الحيوي في الجنوب، إلا أنهم أصبحوا مصدر قلق أكبر من كونهم عونًا لها. فاعتقالاتهم وعمليات الإعدام المتهورة وتهديداتهم تنطوي على مخاطر جر طهران إلى صراع أوسع. وحتى في إيران، يرى البعض الحوثيين الآن أقل شراكة وأكثر عبئًا.
- الغموض والعاصفة القادمة
لقد توقفت المحادثات. إذ لا يمكن لسلطنة عمان إحياء الحوار بين الحوثيين والسعوديين والدبلوماسيين الغربيين. فكل طرف يترقب الآخر، وتتصاعد التهديدات. يحذر الحوثيون من شن هجمات جديدة على مواقع النفط السعودية، في حين ترد الرياض بخطابات قانونية حول حق الدفاع عن النفس. فنفاد الصبر أصبح واضحًا.
يشعر القادة في أنحاء الخليج أن ملف اليمن لا يمكن أن يبقى مجمدًا. وإذا ما انشغلت إيران بإسرائيل، فالحوثيون يفقدون درعهم. وقد بدأت القوى الإقليمية بالفعل في الاستعداد، وربط دفاعاتها، وإعادة تدريب القوات اليمنية لما قد تكون المرحلة المقبلة.
بنى الحوثيون صورتهم على المقاومة، مدعين أنهم يتزعمون صراعًا ضد الإمبريالية والسيطرة الأجنبية. أما الآن، فقد انهارت تلك الصورة. إذ تحكم الجماعة من خلال الخوف، وتعتمد على حلفاء ضعفاء، وتخفي إخفاقاتها وراء لغة الثورة.
ما تبقى في اليمن ليس تحررًا، بل اضمحلال بطيء لحركة فقدت كنهها. لقد كشفت الضربة الإسرائيلية عن ضعفها، وأدى تراجع إيران إلى نزع درعها، وأطبقت التحالفات المتغيرة عليها.
وفي حال استؤنف القتال، فسوف يشكل ذلك تصفية حسابات أوسع في المنطقة. فبعد سنوات من الحروب بالوكالة، قد تحاول القوى الإقليمية أخيرًا استعادة السيطرة. أما مستقبل اليمن فسوف يتوقف على ما إذا كان قادته قادرين على تحويل سقوط الحوثيين إلى نظام جديد وشامل قبل أن تجتاحهم العاصفة التالية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news