يكابد الموظفون في مناطق الحكومة اليمنية (جنوب وشرق اليمن) خلال الفترة الأخيرة أوضاعًا معيشية بالغة الصعوبة، نتيجة عدم صرف المرتبات منذ أكثر من خمسة أشهر.
وقد أدَّى هذا التأخير المتكرر إلى تدهور مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات الضغوط النفسية، وانخفاض القدرة الشرائية لدى آلاف الأسر التي تعتمد كليًا على الراتب كمصدر دخل وحيد.
وانعكس هذا الوضع بشكل سلبي على الأداء المهني للموظفين وعلى جودة الخدمات المقدمة للمجتمع، إلى جانب تأثيره المباشر على الاستقرار الاجتماعي وانتشار مظاهر المعاناة المعيشية.
وفي المقابل، تعزو الحكومة الشرعية "المعترف بها دوليا". هذا التأخير إلى شح الموارد والخلافات الإدارية حول عائدات الدولة.
وبحسب وكالة رويترز، فإن مسؤولين في البنك المركزي اليمني بمحافظة عدن -لم تذكر هويتهم- قالوا إن" الحكومة تعاني أسوأ أزمة مالية منذ بدء الحرب عام 2015، نتيجة توقف الدعم الخارجي وتأخر المساعدات الخليجية".
وعلى الرغم من تلقي الحكومة اليمنية مؤخرًا مبلغ 90 مليون دولار ضمن دعم سعودي إجمالي قدره 368 مليون دولار، فإنها لم تتمكن إلا من صرف جزء محدود من الرواتب المتأخرة، في وقت تعاني فيه الإيرادات العامة من نقص حاد بسبب توقف تصدير النفط، وخسائر تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأوضح تقرير المرصد الاقتصادي لليمن التابع لصندوق النقد الدولي، الصادر في 17 نوفمبر الجاري أن:" الاقتصاد يواجه ضغوطاً كبيرة بسبب الحصار على صادرات النفط، وارتفاع التضخم، وتراجع حجم المعونات، ما أدى إلى تدهور الخدمات العامة".
كما حذر التقرير من أن احتجاز بعض المحافظات للإيرادات الضريبية والجمركية زاد الوضع سوءًا، مع وجود تهديدات بفرض عقوبات على من يعرقل الإصلاحات المالية.
وأوضحت الأمم المتحدة في 17نوفمبر الجاري أن:"17 مليون شخص لا يزالون يعانون من الجوع الشديد في اليمن، وأن التوقعات تشير إلى ارتفاع العدد بمليون إضافي".
وفي السياق نفسه، حذر البنك الدولي من اتساع أزمة الجوع في اليمن، مشيرا إلى أن أكثر من 60% من الأسر تواجه صعوبة في توفير الغذاء، ما يدفع كثيرًا منها إلى خيارات قاسية مثل التسول
*آثار خطيرة على حياة الموظفين*
وتعليقا على ذلك، يقول الناشط الإنساني والمجتمعي عبدالله البركاني إن "بقاء الموظف دون عائد مادي لمدة خمسة أشهر، وعدم حصوله على أتعابه ومستحقاته، يؤدي إلى تدهور كبير في حياته المعيشية، وقد يدفعه هذا الوضع القاسي أحيانًا إلى اللجوء لوسائل غير مشروعة من أجل توفير الحد الأدنى لإعالة أسرته".
وأضاف لـ" المهرية نت " لقد تراجع المستوى المعيشي بشكل كبير لدى الموظفين الحكوميين، التربويين والأكاديميين والعسكريين، مثلًا: الجندي في الجيش الوطني بمحافظة تعز يعاني معاناة مضاعفة؛ إذ لا يتجاوز مرتبه 60 ألف ريال، أي ما يقارب 40 دولارًا، وهو مطالب في الوقت نفسه بالدفاع عن الأرض والعرض، ومع ذلك لم يتسلّم راتبه منذ عدة أشهر، وكذلك المعلم".
وتساءل البركاني قائلًا: "كيف يمكن للأوضاع أن تستقر والمعلمون والجنود وكافة موظفي الدولة لم يحصلوا على مستحقاتهم التي تُعد شريان حياتهم؟". مؤكدًا بأن "هذا الحرمان يثقل كاهلهم، ويجبرهم على العيش في أدنى مستويات المعيشة، وقد يدفع البعض إلى البحث عن طرق بديلة للبقاء على قيد الحياة".
ولفت إلى أن "الحرمان من المرتبات أسهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الجريمة والاختلالات والصراعات نتيجة تدهور الوضع المادي، ما يؤثر على المجتمع بشكل كبير".
وشدد البركاني على الحكومة اليمنية أن "تتخذ قرارات عاجلة تضمن صرف رواتب المعلمين والعسكريين، كونهم الركيزة الأساسية لبناء المجتمع واستقراره".
*آثار بالغة في حياة أفراد الجيش*
ويرى الجندي في الجيش الوطني عزان قائد أن:" انقطاع الرواتب للشهر الخامس على التوالي ترك أثرًا بالغًا على حياة أفراد الجيش"، موضحا أن" كثيرًا من الجنود باتوا عاجزين عن تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم في ظل تدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة".
وأضاف في تصريح لـ"المهرية نت" أن "رواتب الجيش أصلًا لم تعد كافية للصمود سوى لأيام قليلة فقط نظرًا لانهيار قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة، ومع ذلك يتم حرمان الجنود منها لأشهر طويلة، في تصرف يعكس غياب التزام الدولة بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، وتجاه أولئك الذين يقفون في الخطوط الأمامية دفاعًا عنها".
وأشار قائد إلى أن "الظروف التي يعيشها الجنود اليوم تجاوزت حدود المعاناة الطبيعية؛ فالكثير منهم غير قادرين على توفير مصاريف العلاج أو التعليم أو حتى الاحتياجات اليومية من غذاءٍ و ماء، بينما تعتمد أسر بأكملها على ما يتلقاه الجندي من راتب محدود أصبح اليوم أشبه بمساعدة رمزية".
وأفاد بأن" بعض الجنود يلجؤون للبحث عن أعمال جانبية أو وظائف مؤقتة خارج إطار المؤسسة العسكرية لتأمين احتياجات أسرهم، بينما آخرون يعتمدون على الديون أو المساعدات الشخصية للبقاء على قيد الحياة، مضيفًا: "هذه ليست حياة كريمة للجنود الذين يضحون من أجل الوطن".
وأشار إلى أن" استمرار هذا الوضع دون تحرك جاد "سيحول القضية إلى كارثة مضاعفة، ليس فقط على الجنود، بل على الشرعية نفسها التي تبدو وكأنها تعيش في حالة غياب كامل عن واقع الجنود ومعاناتهم اليومية". ومؤكدا بأن" معالجة الأزمة باتت ضرورة ملحّة".
اختتم حديثه بالقول" يجب على الحكومة إيجاد حلول عاجلة والالتزام بصرف المرتبات بانتظام، ووضع حد للتجاهل المستمر الذي قد يؤدي إلى تفكك الصف العسكري واهتزاز ثقة الجنود بالشرعية".
*آثار كارثية على المعلمين*
بدوره، يقول رضوان القاضي مدير مدرسة 14 أكتوبر في مديرية المعافر محافظة تعز لـ" المهرية نت" إن "تأخر صرف مرتبات المعلمين خلّف آثارًا سلبية وكارثية في جميع الجوانب العملية التعليمية والتربوية والمعيشية".
وأضاف" هذا الأمر أثر سلبًا على نفسية المعلم وصفاء ذهنه؛ مما ينعكس على أدائه داخل الفصل الدراسي وعلى قدرته على تحضير الدروس بشكل هادف وسليم".
وتابع "راتب المعلم أصبح ضئيلًا جدًا، على الرغم من التعافي النسبي للعملة، فهو لا يكفي لشراء 20% من الاحتياجات الأساسية لأسرته، كالغذاء والدواء".
واعتبر أن" القيمة الضئيلة لهذه المرتبات تعد إهانة بحق المعلم، والذي يعتبر المحور الأساسي في نهضة البلد ورقي المجتمع، وعودة الأمور إلى نصابها".
ولفت إلى أن "المعلم قد يلجأ إلى التعبير عن استيائه بالإضراب لعدة شهور، حتى يتحقق مطلبه، مما يفاقم تدهور العملية التعليمية وضياع أجيال كثيرة في دهاليز الجهل والأمية".
وطالب الجهات الحكومية بضرورة التركيز والاهتمام الكبير بالتعليم ووضع خطط التعافي المبكر للعملية التعليمية والتربوية، والعمل على انتظام الرواتب وإيجاد حلول جذرية وهيكلة للأجور والمرتبات بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي وتدهور مستوى المعيشة، وخاصة عند المعلم".
وشدد على أهمية أن تعمل الجهات الحكومية على إيقاف تسرُّب المعلمين المتخصصين من الحقل التربوي بحثًا عن مصادر دخل أخرى تسد بها رمقهم وأولادهم". مؤكدًا بأن "الوضع إذا استمر على هذا المنوال، بدون معالجات، سيتولد إرهاصات عميقة لا يحمد عقباها".
ومضى قائلًا: "نتمنى أن يحفظ الله اليمن وشعب اليمن الصابر المحتسب، إنه على كل شيء قدير".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news