في الحلقة الواحدة والعشرون (الثالثة عشرة من الموسم الثاني) من “بودكاست برَّان”، استضاف "محمد الصالحي"، فيها الباحث في التاريخ اليمني خالد الفرح، لمناقشة كفاح اليمنيين ضد الإمامة والممتد منذ أكثر من ألف عام.
واستعرض الباحث الفرح، خلال الحلقة، جولات الصراع وطبيعتها ورموز الإجرام الذين قدموا إلى اليمن باسم الدين والأخوّة، متطرقًا إلى أبرز الجرائم التي ارتكبوها بحق اليمنيين. مؤكدًا أن الأحداث الأخيرة امتداد لهذا الصراع المرير.
تحدث "الفرح" عن الجذور المبكرة للحروب مع الإمامة منذ القرن الثاني الهجري. موضحًا أن أول من بدأ الصراع وارتكب المذابح بحق اليمنيين هو إبراهيم بن موسى جعفر، والذي قدم من مكة إلى اليمن عام 199 هجرية، ويُعد أول من بذر التشيع في اليمن، ولقبه اليمنيون بـ“إبراهيم الجزار” لكثرة الدماء التي سفكها.
لمشاهدة الحلقة من قناتنا على اليوتيوب اضغط
هنــــــــــــــــــــــــا
لاستماع الحلقة صوت من منصات البودكاست اضغط
هنــــــــــــــــــــــــــا
ووفقًا للباحث فقد ارتكب الجزار مذابح في صعدة، ودمر صعدة القديمة كليًا، وبلغ إجمالي من قتلهم نحو 15 ألفاً من جيش العباسيين والقبائل اليمنية. كما حاول طمس الآثار والنقوش الحميرية باعتبارها ذاكرة الشعب اليمني.
وحينها، قاد الشاعر والثائر اليمني أحمد بن يزيد القشيبي ثورة القبائل اليمنية ضد الجزار، وتم إخراجه من صنعاء في عام 201 هجرية بعد حوالي سنة من حكمه.
نظرية البطنين
تطرق الفرح، إلى تأسيس نظرية الإمامة مع دخول يحيى الرسي (الإمام الهادي) إلى اليمن عام 284 هجرية، وقيامه بإحداث تغيير في المجتمع اليمني، محولًا القبائل من مجتمع حضري يمارس الزراعة والتجارة إلى قبائل محاربة تعتمد ثقافة العيش على السيف والرمح.
وجلب الهادي نظرية “البطنين” لحصر الإمامة في أبناء الحسن والحسين. ووفق الفرح فإن هذه النظرية مولّدة للصراع في طبيعتها؛ لأنها تجيز لأي هاشمي يرى في نفسه الأحقية بالإمامة أن يشهر سيفه ويخرج ضد السلطة القائمة، حتى لو كانت من نفس البطنين. وقد اعتبر الهادي أن من لم يؤمن بالولاية والإمامة فهو كافر مرتد يجوز قتاله ومصادرة أمواله.
وخلال 14 عاماً، خاض الهادي أكثر من 80 معركة ضد اليمنيين قُتل فيها أكثر من 14 ألف يمني. وإلى جانب ذلك، كان يفرض جبايات جائرة سماها “الفيء”، ومارس عقوبات جماعية مثل حرق المزارع والنخيل وهدم القرى والمنازل كما حدث في وائلة ونجران.
مقاومة فكرية وقبلية
في المقابل، خاض اليمنيون مقاومة مبكرة ضد الإمامة. ووفقًا للفرح، فقد كان منطلق هذه الثورات يمنياً قومياً للدفاع عن الذات والممتلكات. وانخرط في مقاومة الرسي قبائل كانت قد ساندته في البداية، ولم يبق بجانبه في الأخير سوى الطبريين.
ومن رموز المقاومة الحسن بن أحمد الهمداني (لسان اليمن)، الذي عاش في عهد الناصر أحمد بن يحيى (ابن الهادي)، وسجن بسبب دفاعه عن يمنيته. كتب قصيدة "الصارمة" (الدامغة) افتخاراً بتاريخ اليمن وحضارته. كما كتب من سجنه قصيدة “الجار” الشهيرة، والتي انتشرت وحرّضت القبائل، مما أدى إلى اجتماعها والقضاء على دولة الناصر في معركة الباطن عام 322 هجرية، ووُصفت بأنها “قصيدة أسقطت دولة”.
ومن الرموز أيضًا نشوان بن سعيد الحميري، الذي توفي عام 575 هجرية، وتصدى للأئمة بفكر ونضال فقهي وديني. فنَّد فكرة حصر الإمامة في البطنين، وأعلن نفسه إماماً لإبطال النظرية عملياً. ورد على المتعصبين الذين يفضلون كلام الإمام يحيى على القرآن: “إذا جادلت بالقرآن خصمي أجاب مجادلاً بكلام يحيى، فقلت كلام ربي عنه وحياً، أتجعل قول يحيى عنه وحياً”.
ومن أعلام المقاومة اللاحقة، الإمام مهدي بن صالح المقبلي، والذي ضيقت عليه الدولة القاسمية ليضطر للهجرة إلى مكة. وأيضًا الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، الذي نسف الدولة القاسمية بقصيدة “سماعاً عباد الله أهل البصائرٍ” انتقد فيها ممارستهم للجبايات وتفريقهم بين الناس بأنسابهم.
إضافة إلى الفقيه سعيد بن ياسين العنسي المدحجي، والذي قاد ثورة الصلاح ضد الفساد وثورة التوحيد ضد الكفر عام 1834م، وسيطر على مناطق واسعة، قبل أن يتعرض لخيانات ويصُلب في إب، وتشُوّه صورته بلقب “سعيد اليهودي”.
قمع وتشدد مذهبي
تحدث الباحث عن الممارسات القمعية والتشدد المذهبي للائمة اللاحقين، ومنهم عبد الله بن حمزة، الذي لُقب بـ“السفاح”، وكان أكثر الأئمة ممارسة للظلم والعنف والإرهاب، حيث قاد حملة إبادة كاملة لفرقة المطرفية (فرقة زيديه تجيز الإمامة لغير البطنين)، وأباد منهم حوالي 100 ألف، وارتكب مذبحة بحق 600 عالم من المطرفية في هجرة قاعة.
كما مارس الحرق والسبي، ومنها إحراق قرية المهجم في تهامة، وأفتى بسبي 600 امرأة من صنعاء، وقال في فتواه الموثقة: “أما السبي فنحن الآمرون به”.
الأمر ذاته بالنسبة لإسماعيل بن القاسم (المتوكل)، الذي أفتى بأن اليمن أرض خراجية (مفتوحة بالسيف، أي تؤخذ عليها ضريبة أعلى) وليست عشرية. وابتدع فتوى “كفر التأويل بالإلزام”، حيث اعتبر الشعب اليمني كفار تأويل بمجرد قبولهم حكم الخلافة العثمانية، مما أجاز مصادرة أموالهم. وأظهر الاحتفال بيوم الغدير.
استعرض الباحث الفرح، نماذج من جرائم الأئمة الممتدّة، ومنها التهجير القسري، وفرض الجبايات (التي تبدأ من “الفيء” أيام الهادي) واستمرت تحت مسميات مثل “معونة الجهاد” أيام الإمام يحيى، واليوم باسم “المجهود الحربي” لدى الحوثيين.
وأكد وجود تشابه كامل بين ممارسات الأئمة التقليديين وسلوك الحوثيين حالياً كالقتل، والتهجير، وهدم البيوت، ومصادرة الأموال، مؤكدًا أن الحوثي امتداد للمدرسة الإمامية الهادوية الجارودية، وينطلق من نفس المنطلق العقدي بأن من يرفض الولاية فهو كافر.
ولفت إلى أن تطبيقات الحوثيين تستند إلى الثورة الخُمينية الاثنا عشرية، بالرغم من ادعائهم بأنهم زيديون في الفكر. مشيرًا إلى أن الخطر على اليمن قائم لأن الثوار السابقين قضوا على الأئمة كأسرة، لكنهم لم يقضوا عليهم كـ“فكرة”. مؤكدًا أن هذه النظرية الصراعية (البطنين) لا تقبل التعايش مع أحد إلا أن يكون تابعاً خاضعاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news