بكل اعتزاز وإجلال، نحيي شعبنا الجنوبي العظيم بذكرى الثلاثين من نوفمبر، اليوم الذي ارتفعت فيه راية الجنوب خفّاقة فوق سماء عدن، إيذاناً ببدء عهد جديد من الحرية والسيادة. تمرّ علينا الذكرى الثامنة والخمسون للاستقلال الوطني وقد ازدادت قضيتنا رسوخاً، وتعزّزت قناعتنا بأن الشعوب الحرة وحدها هي القادرة على صناعة مستقبلها رغم كل التحديات.
وإنه ليشرفني، في هذه المناسبة العظيمة، أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وإلى هيئة رئاسة المجلس ورؤساء هيئاته ومنتسبيها، وإلى أبناء شعبنا في الداخل والخارج. كما أخصّ بالتحية أسر الشهداء ومناضلي الثورة والتحرير الذين قدّموا أغلى التضحيات، وفي مقدمتهم الشهداء الأبطال "مدرم" و "عباس" ورفاقهم الذين مهّدوا بدمائهم الطاهرة طريق الحرية الأولى.
وعلى الرغم من أنّ الظرف الصحي يحول دون وجودي بين أبناء شعبي في ساحات الاحتفال بهذا اليوم الاستثنائي، إلا أنّ مشاعري وولائي الوطني يحضران بكل قوة، ويظل هذا اليوم محفوراً في الوجدان لا تغيب شعلته مهما غابت الخطوات عن الميدان.
ولئن كان شعبنا يرزح اليوم تحت وطأة الضغوط ومكابدة الشدائد في مختلف جوانب الحياة، فإن في هذه المحنة ما يوقظ صدى الألم الإنساني العظيم الذي تعيشه شعوبٌ شقيقة، وفي طليعتها الشعب الفلسطيني الأبي، الذي يقف في مواجهة آلة احتلال لا ترقب في البشر إلاّ ولا ذمّة. وليس في هذا الاستحضار - بحالٍ من الأحوال - أي موضع للمقارنة بين قضيتين تميّزهما سياقاتٌ تاريخية مختلفة، بل هو إشعارٌ بوحدة الوجدان العربي حين تلتقي الجراح، وتتوحد إرادة الصامدين.
ورغم هول الابتلاءات، تبقى عزائم الشعوب الحرة شامخة لا تنحني، ويظل الموقف الجنوبي ثابت الجذور، مهيب الحضور، عصيّاً على الريح مهما اشتدّت.
وإنني على يقين راسخ بأن هذه المعاناة ليست إلا مرحلة عابرة تسبق الانتصار الكبير في المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وصولاً إلى تحقيق تطلعات شعبنا في استعادة دولته وإنجاز فك الارتباط بإذن الله، كحق أصيل لا يسقط بالتقادم ولا تلغيه الظروف الطارئة.
غير أنّ الطريق نحو الغاية الكبرى، مهما بدا واضحاً قد تعترضه أحياناً بطء الخطوات وتباين الرؤى، وهو بطء لا يعبّر عن ضعف الإرادة بقدر ما يعبّر عن حاجة ملحّة إلى مراجعة هادئة تعيد ترتيب الأولويات. إنها ملاحظات محبّ يحمل حرصاً خالصاً على أن ترى هذه القضية العادلة ثمار جهدها في الزمن المناسب، وبالصورة التي تليق بتضحيات الأبطال.
ولكي يبلغ الجنوب غايته، لابد من توحيد الصف الجنوبي، وتجاوز كل الأخطاء التي رافقت المسار الوطني في الفترات السابقة. فالمرحلة الحالية تتطلب تلاحماً وطنياً شاملاً، وإعادة بناء جسور الثقة، وتبنّي رؤية موحدة تعكس رغبة الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم نحو المستقبل.
كما أؤكد على أهمية استمرار الحوار الداخلي والخارجي؛ لأنه المسار الأمثل للتقارب الوطني، واختيار رموز وشخصيات تحظى بقبول واسع لدى مختلف مكونات المجتمع الجنوبي، بما يعزز تماسك النسيج الوطني ويحمي القرار السياسي من التشظي.
ولا يمكن إغفال الدور الاستراتيجي للفئات المؤثرة في المجتمع - وعلى رأسها المرأة - التي أثبتت عبر التاريخ حضوراً وطنياً مشرفاً. ومن الضروري اليوم الانفتاح على الكفاءات النسوية والشبابية وتمكينها من تولي مواقع قيادية في المديريات والمحافظات وفي مؤسسات المجلس الانتقالي الجنوبي؛ ليكون المجلس بالفعل معبراً حقيقياً عن إرادة كل فئات الشعب الجنوبي.
ختاماً ...
إن ذكرى الثلاثين من نوفمبر هي عنوان الهوية الجنوبية، وبوابة الطريق إلى المستقبل، ووصية الشهداء التي لن يخذلها الأحياء. ومع كل ذكرى تتجدد العزيمة، ويقوى الإصرار، ويثبت الجنوب أنه لا يساوم على حريته، ولا يتراجع عن حقه، ولا ينكسر أمام العواصف مهما اشتدت.
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار، والشفاء العاجل لجرحانا، والنصر حتماً - بإذن الله - للجنوب الحر.
اللواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك
نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news