نهاية الوحدة وحرب الحوثي وطريق الاستقلال

     
العاصفة نيوز             عدد المشاهدات : 244 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
نهاية الوحدة وحرب الحوثي وطريق الاستقلال

بقلم .خالد اليماني.وزير الخارجية السابق

في 22 مايو 1990، قرر عدد من النافذين في الحزب الاشتراكي الحاكم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بعد انهيار المعسكر الشيوعي، الهروب نحو الوحدة مع النظام القبلي- العسكري في الجمهورية العربية اليمنية. لقد كان ذلك انعطافاً حاداً عن الطموحات الطوباوية السابقة التي بشّر بها الجناح الراديكالي في الحزب، والقائمة على فكرة “تحرير عمان والخليج العربي” وضمّ الشمال إلى المعسكر الشيوعي.

وبعد عقدين فقط من الاستقلال عن بريطانيا، وجد الجنوب نفسه لقمة سائغة في قبضة الشمال بقيادة علي عبدالله صالح، الذي حسم الأمر بالحرب في عام 1994، معلناً إلحاق الجنوب بالقوة، فيما صدح [الفنان اليمني] أيوب طارش بأغنية “عادت عدن”. ومنذ تلك اللحظة، بدأ النضال الجنوبي يتخذ أشكالاً متعددة للمطالبة بفك الارتباط. انطلقت الشرارة الأولى في الحراك الجنوبي السلمي، قبل أن تتبلور القضية سياسياً عبر إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 كإطار جامع لتطلعات الجنوبيين لاستعادة سيادة دولتهم.

اقرأ المزيد...

فيروس ماربورغ يقترب من اليمن… تحذيرات تستدعي تحركاً عاجلاً

23 نوفمبر، 2025 ( 2:20 مساءً )

جرحى الحرب يعتصمون أمام بوابة معاشيق للمطالبة بحقوقهم

23 نوفمبر، 2025 ( 2:02 مساءً )

الحوار الوطني ووعود جوفاء

غير أن مسار تقرير المصير للجنوب لم يبدأ بولادة المجلس الانتقالي، بل مرّ بمحطات عديدة. فقد أقرّ مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013–2014) أن القضية الجنوبية “قضية سياسية عادلة”، من منطلق أن دولة الوحدة قامت بين نظامين مستقلين- جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية – وأن الوحدة بينهما انهارت عقب حرب 1994 وما تلاها من سياسات الإقصاء والنهب. إلا أن هذا الإقرار جاء متأخراً، ولم يرافقه حلّ منصف أو ضمانات حقيقية. فوعود الاعتذار وجبر الضرر والمناصفة بقيت، حبراً على ورق لتُبقي الجنوب داخل إطار دولة مركزية فاشلة بقي فيها الشمال مهيمناً.

كما بدا طرح “الدولة الاتحادية” محاولة لاحتواء القضية الجنوبية لا الإقرار بعدالتها، لاسيما بعد تقسيم الجنوب إلى إقليمين في خطوة اعتُبرت تفتيتاً منظّماً لهويته ووحدته التاريخية. ومن هنا فقد رفض ممثلو الجنوب حينها، برئاسة محمد علي أحمد مخرجات الحوار الوطني، وتحديداً فكرة الأقاليم الستة، وعرضوا فكرة الاقليمين الشمالي والجنوبي، مفضلين الانسحاب وتثبيت حق الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته.

الحوثي ونهاية الوحدة

ثم جاء الانقلاب الحوثي على شرعية الرئيس هادي، ليسقط ما تبقّى من دولة الوحدة بيد ميليشيا مدعومة من إيران، ويُحدث تحولاً جذرياً في طبيعة الحكم يستحيل معه بقاء الجنوب ملحقاً بمشروع سلالي توسعي إيراني. ولولا أن رئيس الجمهورية حينها كان جنوبياً – عبدربه منصور هادي – ولولا بسالة المقاتلين الجنوبيين الذين هزموا الحوثيين في معركة تحرير عدن بدعم سعودي وإماراتي، وما تلاها من تحرير المكلا من قبضة الإرهاب، لكان الجنوب اليوم جزءاً من المشروع الإيراني، ولكانت الحوزات الطائفية قد تمددت في أرض الجنوب السني.

مثّل تحرير عدن لحظة وعي تاريخية عززت إدراك الجنوبيين بضرورة استعادة دولتهم. غير أن الرئيس هادي تراجع، عن التقاط هذه اللحظة، واستسلم لضغوط الأحزاب التي أحاطت به في الرياض، وأمسكت بقراره ودفعت باتجاه إعادة تدوير خطاب “وعود الحوار الوطني الجوفاء” للهروب من حقيقة أن الحرب غيّرت كل المعادلات وأن الجنوب أصبح حراً، بل وحاضناً للشرعية. وللأسف، أسهم بعض الجنوبيين الذين شاركوا بديلا عن المنسحبين من الحوار الوطني في تمرير مشروع الأقاليم لتقسيم الجنوب، وتعزيز سردية التسويف هذه مقابل مكاسب تمثيلهم للجنوب، واضعين مصالحهم الآنية فوق قضية شعبهم الكبرى.

سقوط مرجعيات ما قبل الحرب

أسقطت الحرب كل المرجعيات السابقة، وبادر الجنوبيون إلى الإمساك بمصيرهم عبر تفعيل الإدارة الذاتية لمناطقهم، رغم المؤامرات ومحاولات الاختراق والتجويع لإضعاف توجهاتهم. وفي أبريل 2022، جاء “مؤتمر الرياض 2” ليقرّ إدراج “قضية شعب الجنوب” في مفاوضات وقف الحرب، ويضع لها إطاراً تفاوضياً خاصاً في العملية السياسية القادمة. وعلى الرغم من ما شاب تلك الوعود من تكرار لمنطق الوعود المؤجلة، ورمى الكرة في ملعب المستقبل، إلا أن المؤتمر اعترف بالمجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً شرعياً “وحيدا” لشعب الجنوب، ودخلت قياداته في مجلس القيادة الرئاسي وفق صيغة المناصفة.

وأظهرت السنوات الثلاث الماضية داخل مجلس القيادة الرئاسي سقوطاً للكثير من الأقنعة، وبروزاً لإرادة جنوبية صلبة عبّر عنها رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي ورفاقه أبو زرعة المحرمي وفرج البحسني، الذين أثبتوا للمجتمع الدولي أن قضية الجنوب أكبر من أن تكون ملفاً ثانوياً أو موضع سجال في غرف الفنادق.

طريق الاستقلال

اليوم، ومع امتلاك المجلس الانتقالي سلطة فعلية على الأرض، تتمثل الخطوة التالية في تثبيت الإدارة الذاتية للجنوب، وتوسيع الشراكة الجنوبية تمهيداً لتحقيق الاستقلال الناجز. وهذا يتطلب بناء مؤسسات جنوبية راسخة – حكومية وتشريعية وقضائية وخدمية – تدير الموارد والثروات وتعيد هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية في إطار جنوبي موحد، مع دمج مختلف المكوّنات السياسية والقبلية والمجتمعية في إدارة الشأن العام لضمان شراكة وطنية واسعة بعيدة عن النخبوية.

وبالتوازي، يجب تعميق الحوار الوطني الجنوبي تنفيذا للرؤية السياسية للمجلس الانتقالي بما يمهد الأرضية القانونية لاستعادة الدولة. وخارجياً، يجب توسيع الحضور السياسي والدبلوماسي الجنوبي وفق مبدأ المناصفة القائم وعكس ذلك على كل البعثات التمثيلية، وبناء شراكات اقتصادية وأمنية مستقلة مع الإقليم والعالم، لتهيئة الاعتراف التدريجي بدولة الجنوب القادمة.

إن استقلال [جنوب اليمن] لم يعد شعاراً عاطفياً ولا طرحاً انفعاليّاً، بل مشروعاً سياسياً متماسكاً يستند إلى الأمر الواقع في الجنوب، وتحولات تاريخية، وإرادة شعبية واسعة. وبينما لا تزال التحديات قائمة – من المؤامرات وصراعات النفوذ إلى المصالح الآنية – فإنّ اللحظة التاريخية لن تكن أكثر نضجاً مثل اليوم، ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال المجيد، الثلاثين من نوفمبر 1967. إن استعادة الدولة الجنوبية ليست فقط حقاً سياسياً، بل مسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل الجنوبيين، للاصطفاف خلف المجلس الانتقالي الجنوبي للمضي نحو بناء دولة ديمقراطية اتحادية مستقلة، مزدهرة، تنبذ العنف وترفض الارهاب، وشريكاً موثوقاً لدول الخليج، والعالم الحر، وركناً اساسياً للاستقرار الإقليمي، وعاملاً داعماً للتكامل مع شمال اليمن مستقبلاً.

وزير الخارجية السابق

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

رسميًا.. الجيش اليمني يعلن عن ”انقلاب عسكري” جديد على الشرعية

المشهد اليمني | 949 قراءة 

أول رد من سلطنة عمان على تصريحات عيدروس الزبيدي: صرفيت ليست فكرة في خطاب بل أرض عُمانية ذات سيادة كاملة ولن نقبل أي تطاول من الانتقالي.. عاجل

مأرب برس | 864 قراءة 

دعوة للزحف نحو غيل بن يمين.. حلف قبائل حضرموت يستعد لهذا الأمر

موقع الأول | 788 قراءة 

وثيقة رسمية تضع عيدروس الزبيدي في خانة التمرد المسلح.. وخبير عسكري يعلق: القرار واضح

المشهد اليمني | 769 قراءة 

إبلاغ الانتقالي باحتمالية غارات جوية سعودية مباشرة إذا لم ينسحب من حضرموت و 20 ألف جندي جاهز لدحره

المشهد اليمني | 656 قراءة 

موقف أمريكي إماراتي مشترك يحدد ملامح المرحلة القادمة في اليمن

نيوز لاين | 582 قراءة 

كشف ما سيحدث غدًا عقب صلاة الجمعة

كريتر سكاي | 504 قراءة 

اليمن: تحذيرات أممية من تصعيد واسع مع حشد قوات مدعومة سعوديًا وتطمينات إماراتية للانفصاليين

يمن فيوتشر | 479 قراءة 

مستشار اماراتي يقدم نصائح لـ الانتقالي ويحذّرهم من محاربة الحوثي

بوابتي | 423 قراءة 

انسحاب قوات وتمكين محلي.. العليمي يكشف تفاصيل خطة التهدئة في الشرق

جنوب العرب | 384 قراءة