في تطور لافت يكشف مدى تدهور أوضاع الطفولة في اليمن، أطلق "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف رصد)" دراسة تحليلية موسعة بعنوان
"طفولة مستهدفة"
، تسلط الضوء على أنماط مروعة من الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في سياق النزاع المسلح المستمر منذ سنوات. جاء الإعلان عن الدراسة خلال ندوة حقوقية افتراضية عُقدت مساء الخميس الماضي، عبر منصة "زوم"، بحضور باحثين وقانونيين ومختصين في الدعم النفسي.
تُعد الدراسة، التي تُعد أحد أهم الإصدارات الحقوقية في هذا السياق، إحدى مخرجات مشروع
"تعزيز الوعي وضمان حقوق الأطفال أثناء النزاع في اليمن – المرحلة الثانية (SAFE II)"
، الذي ينفذه التحالف بالشراكة مع معهد "DT". وقد اعتمدت على منهجية بحثية صارمة، شملت 57 مقابلة معمّقة أُجريت في خمس محافظات يمنية هي (عدن، تعز، الحديدة، مأرب، وذمار)، بالإضافة إلى توثيق وتحليل 82 واقعة انتهاك جسيم ضد أطفال في 13 محافظة. أعد الدراسة وحلل بياناتها المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان ياسر المليكي، مستخدماً أدوات تحليل متقدمة لكشف التداخل والتراكم بين الانتهاكات.
انتهاكات مركبة: عندما لا يكتفي الطفل بضحية واحدة
أبرز ما كشفت عنه الدراسة هو ظاهرة "الانتهاك المركّب والمتتابع"، حيث أوضحت أن الطفل الذي يتعرض لانتهاك واحد، كالقتل أو الإصابة، غالباً ما يكون ضحية لانتهاكات أخرى لاحقة في فترة زمنية قصيرة، مما يضاعف من الأضرار النفسية والاجتماعية التي تلحق به ويجعل تعافيه شبه مستحيل في ظل استمرار النزاع.
وقال المدير التنفيذي لتحالف رصد، مطهر البذيجي، في مداخلته خلال الندوة: "إن ما تعرض له الأطفال اليمنيون على مدى السنوات العشر الماضية هو وصمة عار في جبين الإنسانية، ويؤكد أن أي طرف من أطراف الحرب لم يلتزم بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، خصوصاً جماعة الحوثي التي تقف وراء معظم حالات التجنيد والانتهاكات الممنهجة".
التجنيد القسري الأكثر انتشاراً
وفقاً لنتائج الدراسة، احتل التجنيد القسري للأطفال المرتبة الأولى بين الانتهاكات بنسبة 29% من آراء المشاركين، يليه كل من القتل والإصابة، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والحرمان من المساعدات الإنسانية، ثم الاعتقال التعسفي. وكشف التحليل عن وجود علاقة ترابطية خطيرة، حيث غالباً ما يترافق التجنيد مع هجمات على المنشآت التعليمية وحوادث اعتداء جنسي، مما يخلق بيئة محفوفة بالمخاطر بشكل مضاعف.
وقد ضمّنت الدراسة شهادات ميدانية مؤلمة، من بينها قصة طفل تم استدراجه من قبل جماعة الحوثي من "مركز صيفي" يُفترض أنه ترفيهي، ليُجبر على الالتحاق بدورات عسكرية وينقل لاحقاً إلى جبهات القتال تحت تهديد السلاح. وأشار باحثون حقوقيون إلى مشاهداتهم المباشرة لأطفال يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ما وراء الانتهاكات المباشرة: عنف أسري وتضليل إعلامي
لم تقتصر الدراسة على توثيق الانتهاكات المباشرة للحرب، بل تناولت أيضاً الآثار الثانوية المدمرة. أكدت الدكتورة رانيا خالد، خبيرة الدعم النفسي والاجتماعي، أن الأطفال يعانون من "العنف الأسري الثانوي" الناتج عن الضغوط النفسية الهائلة التي تعيشها الأسر، وقالت: "هذا الوضع يجعل الطفل ضحية للحرب في مجتمعه، وضحية للعنف داخل أسرته أيضاً، مما يفقده شعوره بالأمان التام".
كما استعرض فريق التحالف جانباً من التضليل الإعلامي المنظم، حيث تم رصد وفحص أكثر من 18 قصة مضللة تروج لها أطراف النزاع، وعلى رأسها جماعة الحوثي، بهدف تشويه الحقائق والتغطية على جرائمها، وتم تفنيدها بالاعتماد على المصادر المفتوحة وشهادات الضحايا.
انهيار منظومة الحماية والدعم النفسي
أبرزت الدراسة تدهوراً خطيراً في منظومة الحماية الرسمية، حيث اعتبر 84% من المشاركين في البحث أن تدخل الجهات الحكومية في حالات الانتهاك "ضعيف أو غير موجود على الإطلاق". وتحدثت الدكتورة رانيا خالد عن "قصور كبير" في منظومة الدعم النفسي والاجتماعي، يتمثل في غياب المراكز المتخصصة لتأهيل ضحايا الحرب من الأطفال، وضعف التنسيق بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وندرة الكوادر المتخصصة.
دعوات لمساءلة أقوى وآليات مبتكرة
على الصعيد القانوني، قدّم القاضي والباحث عمران جازم ورقة عمل تناولت مسارات المساءلة القانونية، موضحاً الفروق بين إحالة الانتهاكات المرتكبة من قبل الجماعات المسلحة إلى القضاء المدني، وتلك المرتكبة من قبل القوات النظامية التي تُحال إلى المحاكم العسكرية. وأشار جازم إلى أن "الآليات المحلية والدولية الحالية غير فاعلة بما يكفي" لوقف الفظائع، داعياً إلى ابتكار آليات جديدة وأكثر جدوى لتحقيق الإنصاف للضحايا.
وفي ختام الندوة، دعا المشاركون إلى وقف الحرب فوراً كشرط أساسي لحماية الأطفال، وتفعيل منظومات الحماية الوطنية، وتعزيز آليات التوثيق والمساءلة. وختم المدير التنفيذي لتحالف رصد مطهر البذيجي بتأكيد أن "حماية الأطفال يجب أن تكون في قلب أي جهد سياسي أو إنساني أو حقوقي"، داعياً إلى إعادة الاعتبار لملف الطفولة كأولوية وطنية قصوى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news