وادي عدم وحاضرته ساه

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 54 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
وادي عدم وحاضرته ساه

مسعود عمشوش

بعد أن كنّا في حضرموت نجفّف فائض إنتاجنا من الطماطم والدجر والبسباس والليمون فوق أسطح البيوت، أصبحت أسواق المنتوجات الزراعية في مختلف مدن حضرموت تغرق اليوم بالطماطم والبسباس والخيار والكوسا والحمضيات المستوردة -بالعملة الصعبة- من ذمار وحجة والجوف وغيرها من بلاد أحفاد معن بن زائدة الشيباني، الذي عيّنه أبو جعفر المنصور والياً على اليمن في القرن الثامن الميلادي، والذي عند انتقامه من حضرموت وسكانها حرص على سد عيون المياه الكثيرة التي كانت تسقي الأراضي الخصبة في وديان حضرموت ومنها وادي عِدِم ووادي عَمِد ووادي دوعن. ويبدو أن ابن أخت ابن أبي العوجاء كان لا يقل حنكةً وبعد نظر عن الدكتور عبد الكريم الإيارني!

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال في حضرموت بعض العيون التي تتدفق منها المياه باستمرار؛ مثل عيون الديس، والحزير في أعالي وادي تاربة، وعيون وادي المسيلة شرقي تريم. وبالنسبة للمياه التي تسيل من جنوب مدينة ساه إلى شمال قرية وادي عمر في بداية وادي عدم، فهي يمكن أن تعدُّ نهرا صغيرا حقيقيا؛ فالماء يظل يجري فيه طوال العام.

وعلي ضفتي وادي عدم حتى بلدة السويري، التي يلتقي فيها وادي عدم بوداي حضرموت، تقع اليوم أخصب أراضي حضرموت وأكثرها خضرة. والأراضي الزراعية هناك تعتمد بشكل أساسي على مياه هذا النهر بشكل مباشر أو غير مباشر، إذا لا تزال المياه الجوفية قريبة جدا من سطح الأرض، وتساعد على اخضرار النخيل والأشجار الأخرى طوال فصول السنة.

وتوجد في وادي عدم اليوم أكثر من مليون نخلة إضافة إلى الكثير من المزارع النموذجية. ولم يفت النظام الاشتراكي السابق من الاستفادة من تلك الأراضي الزراعية، إذ قام باستصلاح جزء كبير منها. وسبقه إلى ذلك عدد من آل بن يحيى في المنطقة التي تسمى مسيلة آل بن يحيى. ولا أزال أتذكر صديقي عباس علي عقيل بن يحيى وهو (يحرحر) بحزمة وثائقهم الصفراء القديمة و(يحرحر) بها في المحاكم والمكاتب الحكومية في سيؤن. ومؤخرا قام دار المصطفى بتريم بالاستثمار في تلك النواحي. اللهم زد وبارك.

ووادي عدم، كغيره من وديان حضرموت، يتضرر بشكل دوري بالمنخفضات الجوية والسيول الضخمة التي تجرف البيوت والنخيل والتربة وقنوات الري أو السواقي. ويقال إنه كان يسمّى (وادي الريان)، قبل أن يتعرّض في نهاية القرن العاشر الهجري (سنة 970هـ) لأمطارٍ غزيرة جداً، تدفق على إثرها (سيل العُــوَّه) الضخم، وجرف كل بيوت الوادي وأشجاره وحيوانه ونباته، ولهذا أطلقوا على وادي الريان: وادي عدم.

 وتعد ساه أهم مدن وادي عدم وحاضرته. وهي تقع في بداية الطريق القادم من ساحل حضرموت النازل من الأدواس بمحاذاة أنابيب سرقة نفط حضرموت، وعلى يسار الذاهب إلى عقبة الغز. وتتكون مدينة ساه من جزأين: الصيقة، والبلاد؛ ويصل بينهما جسر فوق مجر الماء/النهر، الذي بسببه يصعب محاربة البعوض في ساه. وأذكر أنني لم أستطع النوم ليلة في أحد صفوف المدرسة الإعدادية بالصيقة عندما نظّمت مدرسة النهضة بسيؤن -التي كنت أقضي سنة خدمتي الوطنية معلما فيها- رحلة إلى هناك في إبريل سنة 1975.

وقد كتب ابن عبيد الله السقاف في كتابه (إدام القوت): تقع "ساه في جنوب غيل عمر، عن يسار الذّاهب إلى عقبة الغزّ، وهي بلدة لا بأس بها، في حدود آل جابر، بل هي عاصمة بلادهم، ولكن لمّا كثرت بينهم المظالم، ولم ينتصف أحد من الآخر، جاؤوا في حدود سنة (١٣٣٦ هـ) إلى سيؤن يطلبون من أمرائها أن يحتلّوها، فرأوا أن لا طاقة لهم بحفظها، فذهبوا إلى شبام وطلبوا من السّيّد حسين بن حامد أن يحتلّها، فبسط الرّأي للدّولة الكثيريّة، فيقال: إنّهم أذنوا له، وعنّ لهم بعد أمّة من الزّمان أن يطالبوا بحقوقهم فيها، وبعد الأخذ والرّدّ.. اتّعدوا على الاجتماع بدار الرّئيس المكرّم طالب بن جعفر بالعقدة. قال لي السّلطان عبد الله بن محسن: فحضرت أنا وابن عمّي عليّ بن منصور، وبعد شيء من المحاورة أخرج نائب القعيطيّ ـ وهو عليّ بن صلاح ـ كتابا من والدي ومن عمّي منصور للسّيّد حسين بن حامد بالإذن في احتلالها، فانقطعت حجّتنا.

ومن أهم بلدات وادي عدم: غيل عمر الذي ينسب للشّيخ عمر بن محمّد بن سالم باوزير، الذي كان وفق لابن عبيد الله أول من بنى بيتا فيه سنة (٧٠٦ هـ)، ثمّ بنى النّاس بعده، وذكره ابن حسّان في تاريخه. "والمنازل الّتي يشملها اسم غيل عمر منقسمة بالمسيال: فالّذي في الشّاطىء الغربيّ منه: الضّبيعة، وفي جنوبها مسجد الشّيخ عمر. والّذي في الشاطئ الشّرقيّ: الدّلفة. ثمّ الحزم. ثمّ سكدان. ثمّ كوت سرور. ثمّ العرض. ثمّ النّويدرة. وقد استوخمه كثير من السّكّان فانتقلوا عنه إلى سكدان. وكان فيه أجداد المشايخ آل باسودان، حتّى إنّ بعضهم ينسبه إليهم، فيقال: غيل باسودان. وربّما يكون المنسوب إلى باسودان ناحية غير النّاحية المنسوبة إلى الشّيخ عمر؛ فالغيل طويل، منبع مياهه من جنوب ساه، ولا ينتهي إلّا بعد مجاوزة سنا، إلّا أنّها تتقطّع؛ ففي أكثر النّقاط تظهر، وفي الكثير تغور. ثمّ إنّ آل باسودان خرجوا عن العامّيّة وتفقّروا، وأخذوا في طلب العلم حسبما سبق في الخريبة من بلاد دوعن".

ومن أهم بلدات وادي عــدم إضافة إلى ساه: طاران وضمر نهر والشعبين والعريقوب وسديم والخلعة والكتنة والحزم والردود وشريوف وباعلال وراوك والمسيلة وغيرها. ويسكن تلك البقاع قبيلة العوابثة بينما في أعلى الوادي آل باوزير ويسكن في أسفل الوادي فخذ من قبيلة آل جابر، وقبيلة اليميني وغيرهم.

وكما ذكرنا يتميز وادي عدم ومدينة ساه بشكل خاص بسحر جمالها الطبيعي؛ فهي حقا واحة حضرموت الجذابة، وهي مكانا مثاليا للسياحة والاستجمام والاسترخاء. وتتميز ساه ووادي عدم بشكل عام، بوجود عدد من الحصون الطينية القديمة والكهوف والمغارات المليئة بالعجائب. ففي منطقة رسب في الهضبة توجد فتحة في الجبل المطل على المنطقة، تعرف باسم التولقة، ويصل عمقها إلى حوالي ثمانية أمتار دائرية الشكل، بينما يبلغ محيطها حوالي (66) مترا، وتوجد فيها أشجار من النخيل دائمة الخضرة رغم عدم وجود المياه فيها. 

وعلى بعد أربعة كم عن مدينة ساه العاصمة تقع على سطح الجبل الواقع جنوب قرية عنقورة برج يعرف باسم الكافرية وهي إحدى مآثر عاد. بالقرب من قرية راوك شمال غيل عمر يقع كهف الغبراء، في أعلى وادي حاميم، الذي تتدلى في حوافه العليا زوائد هرمية وحلزونية كلسيه التكوين تشبه الحلمات سببها تساقط قطرات الماء من خلالها ويتفاوت طولها ما بين 50 سم إلى 10 سم.

وهناك (معيان أو مغارة زبون) الذي يحيط به الغموض والظلام ويقع في أعالي وادي زبون على بعد نحو أربعين كيلومترا من ساه. وهو عبارة عن فتحة في الجبل تتساقط من سقفها قطرات الماء وينبع من جوانبها ماء يتجمع بداخلها يستفيد منه السكان حولها لغرض الشرب. 

ومن أهم المعالم الأثرية في وادي عمد، يمكن زيارة السور التي تقع على قمة جبل تتماثل إطلاله للعيان ويقع بالقرب منه ضريح الشيخ عمر محمد باوزير. وهناك غار مخروقه في الجبل الشرقي لمدينة ساه العاصمة، وهو كهف توجد أعلاه فتحه كبيرة، ويقال إنها كانت عين ماء تروى الأراضي الزراعية الواقعة شرقي ساه العاصمة ثم تم ردمها من قبل معن بن زائدة، ومنهم من يقول إنها ردمت بسبب سقوط صاعقة على قمة هذا الكهف أو سقوط كتله كبيرة من الصخر وسدت عين الماء. والله أعلم.

وهناك حصن على قمة الجبل الشرقي المطل على منطقة غيل عمر يسمى حصن قرين الظبي، الذي يعد من أهم معالم وادي عدم الأثرية، وهو حصن حربي دائري الشكل وفيه دهاليز وملاجئ، وكان يستخدم لمراقبة الغزاة إلى المنطقة من جميع الاتجاهات، وتستخدمه القبائل الساكنة في المنطقة لحراسة أراضيها الزراعية والنخيل، وفي عهد الدولة الكثيرية استغل مقراً لها على إثر اتفاق أبرم بين قبيلة آل محمد الحاج مالكة الحصن والدولة الكثيرية.

بالنسبة للنشاط الاقتصادي في وادي عدم فهو يرتكز أساسا على الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار التي يتم تصريفها بالسواقي وقنوات الري لحفظ مياه وكذلك بالأبار والمكائن التي تعتمد اليوم على الطاقة الشمسية. وهناك من سكان وادي عدم من صار ينافس سكان تاربة وشرع في تربية العنوز. واليوم في مزارع الردود وباعلال وشريوف ستجد على مدار العام الغلفق والتريا والضدح والفقوز والدبا والباباي.

ومن أهم العادات والتقاليد في وادي عــدم خاصة في الأعراس: المسامرة والزوامل والبرعة والشرح أو الهبيش والدرجة أو الدريج. وقبل بضع سنوات أسس عبد الله الجابري في ساه: القرية التراثية، التي تحتوي على ثلاثة عشر جناحا تضم مقتنيات وأدوات قديمة تستخدم في الحرف والمهن التقليدية التي تمارس في حضرموت بشكل عام. ويهدف المشروع إلى إحياء الثقافة والتراث المحلي وإبراز نمط الحياة القديم وتقديم تجربة تفاعلية لزوار وادي عدم من خلال تقديم فعاليات ترفيهية تشمل العروض الموسيقية ومختلف أنواع الرقصات التقليدي. 

وإذ كان وادي عدم قد ظل منذ القدم عرضة للكوارث الطبيعية المتمثلة في المنخفضات الجوية، فهو منذ 1990 أصبح عرضة للكوارث البيئية المتمثلة في تلويث المياه بسبب التنقيب عن النفط في الهضبة. ومن المعلوم أن جزءا من مديرية ساه يقع في الهضبة، تبعد عن سيئون عاصمة الوادي نحو 75 كيلو متراً، وعن عاصمة المحافظة المكلا نحو 180 كيلو متراً. ومن المؤكد أن استخراج النفط في حضرموت لا يتم وفق المعايير البيئية السليمة، لذا هو يشكل خطرًا جسيمًا على البيئة والصحة العامة.

وتقع معظم حقول الامتياز النفطي في حضرموت في منطقة الهضبة على الرغم من أن هناك من أصر على تسمية جزء منها بشرق شبوة. وتلك الهضبة تغذي وادي عدم بالمياه التي تعتمد عليها الأراضي الزراعية والمراعي المأهولة بالسكان. وفي مواسم الأمطار، تحمل مياه السيول معها النفايات النفطية وكميات كبيرة من الماء المستعاد من آبار النفط نحو الوديان الفرعية. إضافة ذلك يتم تلويث الهواء في محيط حقول إنتاج النفط نتيجة حرق الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط. والذي ينحصر نصيب سكان وادي عدم منه في مشاهدة الشعل ليلا والدخان نهارا. وهناك من يؤكد أن تقارير المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة المركزية والمركز الوطني للأورام في حضرموت تشير إلى زيادة ملحوظة في عدد حالات الإصابة بالسرطان والفشل الكلوي بين سكان وادي حضرموت، المنطقة الداخلية للمحافظة والمحاطة بحقول النفط، على مدى سنوات. 

وربما بسبب الطبيعة الساحرة لوادي عدم فقد تمّ مؤخرا اختيار طرفه الشمالي موقعا لأهم مستشفى للأمراض النفسية والإدمان في حضرموت. إنه مستشفى النهى. اللهم يحفظكم ويحفظنا وينعم علينا بالصحة ويبعد عنا كل أنواع الأمراض ومسبباتها.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

أمن الساحل الغربي يكشف سجلّ جرائم خطير لعصابة أحمد سالم حيدر

حشد نت | 739 قراءة 

الحكومة تدعو لرفع مستوى التأهب الوطني واتخاذ التدابير ضد فيروس "ماربورغ" 

يمن شباب نت | 319 قراءة 

الحكومة تبدأ أوسع عملية صرف مرتبات منذ أشهر وتشمل جهات مدنية وعسكرية متعددة

يني يمن | 300 قراءة 

نتنياهو ينهار أمام الكاميرا بتصريح عن (الحوثيين) هزَّ إسرائيل!!.. تفاصيل موثقة بالفيديو

موقع الأول | 300 قراءة 

انفجارات ليلية غامضة في معسكري خشم البكرة وصُرَف شمال-شرق صنعاء

المنتصف نت | 286 قراءة 

تعز على صفيح ساخن… الإخوان يسقطون طائرة مسيّرة لطارق عفاش بعد تهديد باجتياح المخا

الأمناء نت | 282 قراءة 

تحذير للمواطنين إلى التوقف الفوري من شراء أو إستخدام هذا المنتج وإعادته إلى نقاط البيع بعد رصد الأمر الخطير

نيوز لاين | 231 قراءة 

صراع نفوذ في المحافظة الأغنى… من يربح حضرموت؟

الأمناء نت | 227 قراءة 

جماعة الإخوان تدفع بمظاهرات في تعز ومأرب مع تحرّك الحكومة اليمنية نحو توحيد "أوعية الإيرادات".

عدن تايم | 199 قراءة 

بعد سنوات من المعارضة.. صحفي يمني يثير الجدل بمنشوره: ”أندم على مواقفي من صالح الذي كان أباً لليمنيين”

المشهد اليمني | 196 قراءة