تشهد اليمن هذه الأيام واحدة من أخطر مراحل أزمتها المتفاقمة، حيث يتجاوز الانهيار الاقتصادي حاجز الفقر والجوع ليتحول إلى قوة دافعة لموجة عنف وجريمة تزلزل استقرار المجتمع.
فلم يعد الخوف يقتصر على قصف الحرب أو وباء المرض، بل امتد ليشمل رعب السرقات المنظمة، والاختطافات اليومية، وعمليات التهريب التي باتت جزءاً من واقع الحياة المرير، مما ينذر بانهيار كامل للنسيج الاجتماعي والأمني في بلد مزقته سنوات من النزاع.
1. من انهيار العملة إلى انهيار القيم:
يبدأ المشهد عند الوضع الاقتصادي الكارثي. مع تدهور قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية، وفقدانها لأكثر من نصف قيمتها خلال فترة وجيزة، فقدت الأسر اليمنية قدرتها الشرائية بشكل شبه كامل.
أضف إلى ذلك توقف دفع الرواتب لملايين الموظفين في القطاع العام، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بنسب فلكية، وانهيار الخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه والرعاية الصحية. هذا الواقع خلق فراغاً اقتصادياً وإنسانياً هائلاً، ملأه اليأس والإحباط.
2. الشباب: ضحايا وجلادون في آن واحد:
في قلب هذه المأساة، يقف جيل كامل من الشباب اليمني الذي تخرج من الجامعات والمعاهد ليجد نفسه في شارع بلا عمل، وبلا أمل، وبلا مصدر دخل.
تقارير حقوقية وإعلامية تؤكد أن آلاف الشباب، ممن كانوا يوماً أمل اليمن المستقبلي، باتوا اليوم أمام خيارين مريرين: الهجرة غير الشرعية عبر طرق الموت، أو الانضمام إلى التشكيلات الإجرامية والمسلحة التي تقدم لهم مبلغاً من المال قد يضمن لهم ولأسرهم البقاء يوماً أو يومين.
يقول أحد الناشطين الشباب في محافظة تعز (طلب عدم الكشف عن اسمه): "عندما لا تجد قوت يومك، وعندما ترى إخوتك وأطفالك يبكون من الجوع، فإن مفاهيم الصواب والخطأ تتلاشى. البعض ينضم إلى هذه المجموعات ليس حباً في الجريمة، بل بحثاً عن البقاء في عالم أهملهم الجميع".
3. خريطة الجريمة المتوسعة:
لم تعد الجريمة في اليمن ظاهرة فردية عشوائية، بل تحولت إلى عمل منظم له فروعه وتخصصاته. ففي الطرق الرئيسية بين المدن، تشهد عمليات السرقة المسلحة للشاحنات والسيارات انتعاشاً كبيراً.
وفي المدن، باتت حالات الاختطاف مقابل فدية ظاهرة مخيفة، تستهدف التجار والأطباء ورجال الأعمال.
كما ازدهرت شبكات تهريب الوقود والمواد الغذائية المدعومة، بل ووصل الأمر إلى تهريب البشر.
أما جرائم القتل التي تحدث بسبب النزاعات على الموارد الشحيحة أو كجزء من صراعات هذه المجموعات، فأصبحت خبراً يومياً يمر مرور الكرام.
4. تداعيات على المستوى الأمني والإنساني:
يرى مراقبون أن هذا التصاعد في الجريمة لا يمثل تهديداً أمنياً فحسب، بل هو هجوم مباشر على ما تبقى من هياكل الدولة والمجتمع. فتفشي الجريمة يعيق عمل المنظمات الإنسانية، ويجعل مناطق واسعة خارج نطاق وصول المساعدات، كما أنه يدمر الثقة بين أفراد المجتمع، ويحل محلها الخوف والشك.
كما أن هذه المجموعات الإجرامية غالباً ما تكون مرتبطة بأطراف النزاع، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري، ويجعل أي مسعى للسلام أكثر صعوبة.
إن الربط بين الانهيار الاقتصادي والتصاعد الجنائي في اليمن لم يعد مجرد تحليل، بل هو حقيقة مرة يعيشها ملايين اليمنيين يومياً. فالفقر المدقع لم يعد مجرد حالة اقتصادية، بل أصبح بيئة خصبة تفرخ العنف وتغذي الجريمة.
إن تجاهل هذا البعد الاقتصادي والإنساني في الأزمة اليمنية يعني دفع ثمن باهظ قد يتمثل في ضياع جيل كامل، وانزلاق البلاد إلى فوضى أمنية واجتماعية لا يمكن السيطرة عليها، مما يجعل المستقبل أكثر قتامة من حاضرها المرير.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news