لم تكن الأقدار الجغرافية، ولا تقلبات التاريخ، لتسمح لقضية شعب الجنوب أن تظل أسيرة صمت مطالب المظلومية، أو رهينة خطاب الشكوى والاستجداء من التهميش والإقصاء والاحتلال والاستلاب، بل لقد انبلج فجرٌ جديد، حمل معه مشروعًا وطنيًّا تجسّد في كيانٍ نهض من بين ركام الحروب وتمزق المكونات حتى وحدّها وصهرها في سياق مشروع جنوبي وطني جامع وكبير، ليكون سفينة النجاة التي تعيد لشعب الجنوب كرامته المسلوبة، وإرادته المصادرة وعدالة قضية شعبه المنهوبة والمحتلة من قبل قوى الاحتلال اليمني بمختلف توجهاته الأيديولوجية والسياسية والحزبية.
إنه المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لم يعد مجرد عنوان على خارطة السياسة، بل تحوّل إلى تحولٍ جيوسياسيٍ ضاربٍ في العمق، وإلى معادلة قوةٍ لا تُغفل على الأرض وانتصار سياسي لعدالة قضية شعب كان ذات يوم دولة كاملة السيادة على حدود ما قبل عام 1990م.
لقد مثّل المجلس الانتقالي الجنوبي، في مسار الحل المتعرج، نقلةً سياسيةً نوعية، انتقل فيها من صوتٍ يطالب بمطالب مشروعة، إلى فاعلٍ رئيس يفرض وجوده وشرعيته التاريخية والواقعية على طاولة المفاوضات التي يديرها المجتمعان الإقليمي والدولي حتى جعل الحديث عن قضية شعب الجنوب لم يعد هامشيًّا أو عاطفيًّا، بل صار حديثًا عن دولة ذات سيادة وهوية جنوبية يجب أن تنال حقها في الاعتراف السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والهوياتي على حدود جغرافية معروفة لتكون دولة الجنوب هي معادلة المستقبل للاستقرار الإقليمي والدولي.
لقد أدرك المجلس الانتقالي الجنوبي أن العدالة لا تُوهب، بل تُنتزع بقوة الحق وصدق الإرادة، فشقّ طريقه في أروقة الدبلوماسية العالمية بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي بعزيمة لا تعرف التردد، محوّلاً قضية شعبه العادلة من ملفٍ مغلقٍ في أدراج التاريخ، إلى قضيةٍ حيةٍ تفرض نفسها على أجندة الإقليم والعالم.
ولم تكن هذه المكانة السياسية لترى النور، لولا رصيدٌ أمني وعسكري مشهود، شكّل الدرع الواقي للجنوب، والبوابة التي حميت الجزيرة العربية من تمدد المشاريع الظلامية التي ترعاها إيران ومن معها فيما يسمى محور المقاومة.
لقد وقف الجيش الجنوبي وأمنه، بقيادة المجلس ورئيسه القائد الرمز عيدروس بن قاسم الزبيدي، سدًا منيعًا في وجه المد الحوثي الإيراني وأذنابه في المنطقة، الذي أراد أن يحوّل أرض الجنوب إلى منصة لتهديد أمن الخليج والعرب والمصالح الدولية المشتركة، كما حارب ببسالة التنظيمات الإخوانية التي سعت لتمزيق النسيج الاجتماعي واختطاف مستقبل المنطقة وتحويلها إلى إمارات أوكار ظلامية قاتلة. ومن هنا كانت معارك التحرير وتطهير الأرض من رجس الإرهاب، ترجمة عملية لقولبة جديدة لخريطة القوى، أثبتت أن المجلس الانتقالي الجنوبي هو القوة النظامية الأكثر انضباطًا وفعالية في مواجهة الفوضى والخراب الذي ينتظر المنطقة العربية برمتها.
ولم يقتصر دور المجلس الانتقالي الجنوبي"سفينة النجاة" على حماية الأرض من الإرهاب المسلح، بل امتد ليشمل حماية الإنسان والمجتمع من آفتي العصر: تهريب المخدرات والاتجار بالبشر؛ ففي مواجهة هذه الجرائم المنظمة التي تستهدف الشباب في المنطقة وتشوّه سمتها الإنسانية، وقف المجلس الانتقالي الجنوبي حارسًا أمينًا للممرات المائية والشواطئ، ضاربًا بعرض الحائط كل محاولات استباحة البحر الأحمر وخليج عدن؛ حتى حوّل هذه السواحل من نقطة ضعف واستغلال، إلى خط دفاعٍ منيع، يحمي الجنوب والمنطقة بأكملها من سموم المخدرات، ويحمي كرامة الإنسان الأفريقي من براثن عصابات الاتجار بالبشر التي تستغل أحلام المهاجرين اليائسين.
هذه الحصيلة المتفردة – سياسيًّا وأمنيًّا وإنسانيًّا – هي التي جعلت المجلس الانتقالي الجنوبي الطرف الأقوى على الأرض، والأكثر حضورًا في حسابات الأطراف الدولية والإقليمية.
لقد بات المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم القوة التي أثبتت أنها لا تتحدث عن الحق فحسب، بل تدافع عنه وتحميه على أرض الواقع وهذا ما جعله ينتقل من دائرة المطالِب إلى فضاء الفاعل والمؤثر، محمولًا بإرادة شعب لم يعد يقبل بأن يكون ظلًا أو هامشيًّا في جغرافيته، أو رقمًا في معادلات الآخرين.
ومن هنا فالمجلس الانتقالي الجنوبي صار، ليس مجرد مؤسسة سياسية عابرة، بل هو تجسيد حي لإرادة شعب عربي جنوبي، وسفينة رست أخيرًا على شواطئ التاريخ، حاملةً معها أمل شعب، وعزّة وطن، ومستقبلًا لأجيال يليق بتضحيات الأجداد وآلام الأحفاد وانتصار للكرامة والدين والهوية العربية الجنوبية. إنه مشروع النجاة الذي انتظره شعب الجنوب عقودًا، ليعلن أن شمس الجنوب لن تُغرب بعد اليوم على حدود ما قبل عام 1990م.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news