في مشهد صارخ يكشف عمق الانفلات الأمني والانهيار التدريجي للمنظومة القضائية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، شهدت محافظة البيضاء جريمة نكراء، حيث اقتحمت عصابة مسلحة تابعة للمليشيا موقع تنفيذ حكم قضائي، واستهدفت بشكل مباشر رئيس محكمة رداع الابتدائية، القاضي صادق محمد السلطان، في أثناء ممارسته لعمله، في تحدٍ سافر لسلطة القانون واعتداء صارخ على هيبة العدالة.
وبحسب معلومات جمعتها مصادر قضائية وحقوقية، فإن المجموعة المسلحة وصلت إلى موقع التنفيذ وهي تحمل أسلحتها الشخصية بشكل علني ومستفز، قبل أن تمنع بالقوة تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ. ولم يقتصر الأمر على منع التنفيذ، بل تعدى الأمر إلى الاعتداء الجسدي على القاضي السلطان، مع إطلاق وابل من أعيرة نارية في الهواء بشكل استفزازي، بهدف ترهيبه وإجباره على التراجع عن قراره.
"ضوء أخضر" من القيادات العليا
ما زاد من خطورة الحادث وجرأة مرتكبيه، هو تأكيد المصادر أن المعتدين ليسوا مجرد عناصر منفلتة، بل ينتمون لجهات نافذة داخل هيكل المليشيا الحوثية، ويحظون بحماية و"ضوء أخضر" من قيادات عليا، تتيح لهم تجاوز القانون والانقلاب على الأحكام القضائية كلما تعارضت مع مصالحهم الخاصة أو نفوذهم الموسع.
ويرى مراقبون أن هذا التورط المباشر يفسر الجرأة غير المسبوقة في الاعتداء على قاضٍ يمارس صلاحياته الدستورية، مؤكدين أن المشهد يعكس حقيقة أن مناطق الحوثي لم تعد تُحكم بـ "قوة القانون"، بل بـ "قانون القوة"، حيث يصبح السلاح هو الفيصل في حل النزاعات وتثبيت النفوذ.
ضربة قاصمة للقضاء وتحذيرات من "قانون الغاب"
لم تكن هذه الجريمة حدثاً عابراً في نظر الخبراء، بل هي نموذج صارخ على طبيعة سلطة الأمر الواقع التي تمارسها المليشيا ضد مؤسسات الدولة. ففي ظل حكم الحوثي، باتت المحاكم محاصرة، والقضاة مهددون، والأحكام مصادرة لصالح مجموعات تسعى لفرض سطوتها.
ويؤكد قانونيون أن الهجوم على القاضي السلطان يمثل "ضربة قاصمة" لما تبقى من منظومة القضاء في تلك المناطق. ويحذرون من أن استمرار مثل هذه الممارسات سيجعل أي محاولة مستقبلية لإعادة بناء مؤسسات الدولة اليمنية مهمة شبه مستحيلة.
فإذا كان القاضي، وهو رمز العدالة، يصبح هدفاً مباشراً للسلاح، فالمواطن العادي بلا شك سيكون الحلقة الأضعف والأكثر عرضة لابتزاز آلة النفوذ.
"إعلان رسمي بإلغاء القضاء"
تشير السجلات إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها القضاة لضغوط وتهديدات من قبل عناصر تابعة للحوثيين، لكن الجديد هذه المرة هو مستوى العنف والاستهتار والعلنية في الاعتداء.
وقد وصف أحد أعضاء النيابة العامة الحادث بأنه "إعلان رسمي بإلغاء القضاء واستبداله بقانون العصابات"، في إشارة إلى الانقلاب الكامل على مفهوم الدولة.
في ظل هذه الأجواء، تطالب أوساط قضائية وحقوقية بفتح تحقيق عاجل وشفاف في الحادثة، وتقديم الجناة إلى العدالة كرسالة ردع.
إلا أن هذه المطالب تبدو بعيدة المنال في واقع تسيطر فيه المليشيا على مفاصل الدولة، وتوفر الحماية لمرتكبي الانتهاكات، وتضفي شرعية وهمية على تصرفاتهم عبر مؤسسات خاضعة بالكامل لسلطتها، مما يعمق من حالة اليأس ويؤكد على ترسيخ "قانون الغاب" كبديل دائم عن العدالة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news