رسالة إلى روسيا والصين.. اليمن جمهورية عربية قومية وليست مجرد أرض للمقايضة
قبل 1 دقيقة
في خضم التهديدات المتصاعدة التي تستهدف الملاحة الدولية في الممر الحيوي للبحر الأحمر، والتي تتضح فيها بجلاء بصمات الدعم الإيراني لتلك الهجمات، تنكشف أمام أنظار العالم مناورات دبلوماسية حساسة تتجاوز حدود التنافس السياسي التقليدي.
فالموقف المشترك الأخير لكل من روسيا والصين، والمتمثل في امتناعهما عن دعم قرار أممي يهدف إلى تشديد الرقابة على شبكات تهريب السلاح للحوثيين، حيث يمثل تحولاً استراتيجياً عميقاً بهذه الخطوة، التي تعكس حسابات جيوسياسية بالغة التعقيد، والتي لا يمكن اختزالها في مجرد خلاف عابر؛ إذ تتسع تداعياتها لتشمل أمن اليمن، واستقرار المنطقة، والمصالح الحيوية للمجتمع الدولي برمته.
تتزامن هذه التطورات مع الدور المحوري الذي تضطلع به القوات الشرعية اليمنية، وفي مقدمتها المقاومة الوطنية، في تأمين مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر. والتي تواجه فيها تلك القوات شبكات تهريب السلاح الإيرانية وتتصدى للهجمات الحوثية وتخوض معركة ليست شأناً يمنياً داخلياً فحسب، بل هي جزء أصيل من الحرب الأوسع لحماية التجارة العالمية وخطوط الملاحة الحيوية.
على مايبدو ان الموقف الروسي والصيني من الملف اليمني هو نتاج لموازنات دقيقة تحكم علاقاتهما مع طهران من جهة، والغرب من جهة أخرى. فالامتناع عن التصويت لصالح القرار لا يعبر عن موقف محايد، بل يسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية محددة أبرزها:
مرونة العلاقة مع طهران: ضمان استمرار علاقة مرنة مع إيران لاستخدامها كورقة ضغط في ملفات اقتصادية وإقليمية أخرى.
تعطيل الجهود الغربية: توجيه رسالة غير مباشرة إلى واشنطن وحلفائها عبر عرقلة جهودهم في البحر الأحمر، واستغلال هذا الملف للمساومة في قضايا كأوكرانيا والتجارة وبحر الصين الجنوبي.
تجنب الالتزام: الادعاء بالحياد السياسي لتجنب الانخراط الكامل في النزاعات الإقليمية، مما يمنح مساحة للمناورة الدبلوماسية بعيداً عن الالتزامات الدولية الصارمة.
غير أن هذا التوجه يتعارض بشكل صارخ مع التزامات الدول الكبرى في صون الأمن والسلم الدوليين، ويفضح تغليب المصالح القومية الضيقة على المسؤولية العالمية المشتركة.
ولتوضيح اكثر فالإجراءات التي اتخذتها موسكو وبكين بالتخلي عن دعم تشديد الرقابة على تهريب السلاح تمنح إيران والحوثيين متنفساً سياسياً وميدانياً، وتساهم في استدامة تدفق الأسلحة، مما يؤدي إلى:
استمرار معاناة اليمن: إطالة أمد الحرب في اليمن وتكريس معاناة المدنيين.
تمكين الوكلاء: تعزيز موقف إيران ووكلائها إقليمياً وتقوية أوراقهم التفاوضية على حساب الاستقرار.
إضعاف الأمم المتحدة: تقويض هيبة مجلس الأمن وإظهار عجزه في التعاطي مع تهديدات عالمية واضحة.
تهديد الملاحة: إضعاف المساعي الدولية لتأمين الممرات الملاحية، مما يهدد حركة ثلث التجارة العالمية التي تعبر البحر الأحمر.
يمثل هذا الموقف عملياً غطاءً سياسياً لمشروع إيران في المنطقة ويقف حائلاً أمام الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة للأزمة اليمنية.
الرسالة اليمنية إلى موسكو وبكين وإلى العالم أجمع هي رسالة لا تقبل اللبس:
الأمن الإقليمي ليس محلاً للصفقات والمقايضات السياسية.
البحر الأحمر ليس ساحة مباحة للعبث بأمن الملاحة الدولية.
المطلوب اليوم هو مراجعة جادة وفورية للحسابات من قبل موسكو وبكين، والنظر إلى اليمن والبحر الأحمر كركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي، وليس كأداة يتم التلاعب بها ضمن لعبة تقاطعات المصالح العالمية.
فاليمن دولة جمهورية عربية قومية ذات سيادة، وليست مجرد قطعة أرض للمقايضة بيد القوى المتصارعة...
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news