كتب : د. سالم أحمد مثنى البكري
أظهرت الحكومة اليمنية الشرعية براعة لا تُجارى في مجال واحد فقط: فن إدارة الأزمات دون حلها. عندما قفز سعر الدولار إلى ثلاثة آلاف ريال يمني، انفجر الشارع غضباً وخرجت النقابات في احتجاجات عارمة تطالب بزيادة الرواتب بعد الانهيار الكارثي للعملة. وعندما بلغت الأزمة ذروتها بالتهديد بعصيان شامل، كان رد الحكومة المتوقع: احتواء العاصفة لا تهدئة البحر.
جاء الرد الحكومي كـ"معجزة" مالية مفاجئة: إعلان عن تحسن سعر الصرف وإجراءات مؤقتة أدت إلى انخفاض العملة الأجنبية 45%. امتلأت القلوب أملاً، وتصور الناس أن غلاء المعيشة سينخفض وأن رواتبهم ستستعيد بعضاً من قيمتها. لكن السراب سرعان ما تبدد.
فالتحسن كان أرقاماً على الشاشات لا واقعاً في الأسواق. بينما خضعت السلع المستوردة لرقابة انتقائية، ظلت أسعار المنتجات المحلية والخضروات والأدوية في تصاعد مستمر. ثم جاءت الصفعة القاسية: توقف صرف الرواتب تماماً.
هكذا تحولت المطالبة بتحسين الأجور إلى مجرد " مطالبة بصرف الرواتب"، حتى لو لم تعد تكفي أدنى متطلبات الحياة. وانشغل الناس بالبحث عن قوت يومهم عن أي إصلاح حقيقي.
وتكرس المشهد المأساوي: حكومة تتقن تحويل الأزمات الحادة إلى أمراض مزمنة كل بصيص أمل يتبعه انتكاسة أقسى، وكل وعود تذروها رياح المعاناة اليومية.
والسؤال المصيري الذي يطرق ضمير الوطن: كم من عمرٍيتبقى لشعب يئن تحت وطأة أزمات متجددة؟
وكم من الصبر يمتلكه إنسان يحلم بمجرد وصول راتبه في نهاية الشهر؟
الأمر لم يعد مجرد تساؤل عن كفاءة حكومة، بل أصبح مسألة حياة أو موت لوطن يتآكل جسده بين مطرقة الوهم وسندان المعاناة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news