تعيش منذ أيام جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، أسوأ أيامها إعلامياً، بعد تعرضها لما يشبه "المجزرة الرقمية"، بحق حساباتها في منصات "التواصل الاجتماعي"، خاصة تطبيقي "فيسبوك"، و"إكس"، تويتر سابقاً، وهما التطبيقان، اللذين لطالما استخدمتهما الجماعة ضمن حربها على اليمنيين، في بث رسائل موجهة تحمل الكراهية والتضليل.
الجماعة المدعومة إيرانيًا، وبكل أجنحتها الإعلامية والتعبوية والتي كانت تستغل فضاء "التواصل الاجتماعي"، لتنفيذ حملاتها الرقمية وتمرير سردياتها المتجاوزة للحدود، واستهداف الداخل كذلك، باتت في مواجهة صفحة رقمية تنشط في "فيسبوك وإكس"، لتعلن تباعاً إزالة حساباتها وصفحاتها والتي يتابعها الملايين، بدءاً من متحدثها الرسمي، ووصولاً إلى ناشطين عاديين في الجماعة.
وفي بيئة اليمن الرقمية، التي توصف بالبدائية، تفاعل اليمنيون بما أعلنت وتعلن عنه صفحة "واعي"، مجهولة المصدر، والتي تنشط منذ سنوات فيما يشبه الإعلام الاجتماعي الناقد، فتتحول الصفحة ودون سابق إنذار وكأنها شبكة إعلامية وتقنية عملاقة في مواجهة ترسانة الحوثيين، التي أصبحت بقدرة قادر، عارية من وسائل الدفاع عن نفسها.
الصفحة "واعي"، والتي ظهرت على نحو منظم ومتنقل في إعلاناتها للحسابات المزالة، حرصت على السخرية من الحوثيين وناشطيهم، ونجحت في إغلاق العشرات من الحسابات التابعة لشخصيات حوثية بارزة، بعضها موثق بالعلامة الزرقاء ويضم مئات الآلاف من المتابعين.
"بران برس"، تتبع ما نشرته "واعي" عن الحسابات المحذوفة والتي تجاوزت 55 حساباً، منها حسابات مرتبطة بالمتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع، وعبدالسلام جحاف، وسلطان السامعي، وأمين عاطف، وسلطان السدح، وأحمد مطهر الشامي، وعبدالرحمن الأهنومي، ومحمد العماد.
ومن الحسابات المحذوفة، 3 حسابات تعود لـ"محمد مفتاح" القائم بأعمال رئيس وزراء حكومة المليشيا غير المعترف بها، وأخرى للمروج الإعلامي عبدالغني الزبيدي، والشاعر محمد الجرموزي، إضافة إلى عصام المتوكل، وهاشم الديلمي، وأمين الجوفي، وصفحة "الإعلام الأمني" التابعة للمليشيا وصفحات أخرى.
جبهة رقمية
حملة "واعي" التي وضعت لها رمز "يأكل تفاح"، لقيت إشادات واسعة من نشطاء يمنيين، منهم وكيل وزارة العدل في الحكومة اليمنية "فيصل المجيدي"، الذي اعتبر "واعي"، بأنها "ليست مجرد صفحة بل جبهة وطنية في الفضاء الرقمي".
وأضاف "المجيدي" في تدوينة على "إكس"، رصدها "بران برس": "في زمن تسرّبت فيه سموم الكهنوت الامامي، إلى كل الزوايا، وقبل أن نلتقط أنفاسنا من الأكاذيب والافتراءات، التي تبثها الكتائب الإلكترونية الحوثية، ظهرت “واعي” كحارس رقمي وكتيبة توعية لا تهدأ".
ويؤكد أن هذه الصفحة "كشفت التزييف وطاردت الحسابات السوداء، ونفذت عمليات تنظيف نوعية للعالم الافتراضي، فأزاحت عدداً من رموز الكهنوت الحوثي، الذين ملأوا منصات التواصل سُمًّا وفحيحًا وضجيجًا".
ويجزم "المجيدي" أن "واعي"، لا تكتب فقط.، بل تقاتل بالحرف والكلمة والحقيقة، مضيفاً "شكرا للقائمين على هذا العمل الوطني الجبار، الصفحة بحجم جبهة، ووعي بحجم وطن".
من جهته، قال الصحفي "عبدالسلام القيسي"، "صفحة في الفيسبوك اسمها واعي، مجهولة الإدارة وأنجزت بمكافحة الخطاب الكهنوتي الشيء الخرافي، ودفنت الجهات الحكومية في رمال الخجل".
وأضاف في تدوينة على منصة "فيسبوك"، رصدها "بران برس": "تخيل، عشرات الأسماء بل المئات، كبُرت لسنوات وقادت خطاب الجماعة، خطاب الكراهية، وبلحظة ما، تظهر صفحة اسمها واعي وتحذف كل سنواتهم".
ويتابع: "الوقت لحظة ما، وبجهد شبابي، وقدس الله الشباب هؤلاء، حذفت غالبية متزعمي الخطاب السلالي، وهذا عمل لم نتعوده في الشرعية، عمل واعي، هو أكبر من الإعلام الرسمي ومن الإعلام الحزبي وإعلام المكونات، أكبر بكثير، وله أثره، وما زالت الحملة مستمرة".
ويقول "القيسي" "ذات يوم، بعد أن ينتهي كل شيء، سنحتفي بشباب واعي كأبطال،والفريق الذي نجهله الآن، مؤكداً سنعرفه ذات يوم"، مضيفاً "تذكرت الإحتفاء السوري ببعض الشباب عقب التحرير، وسنفعل ذلك بواعي".
في السياق، قال الناشط "محمد عبدالله الكميم": "سينتهون في لحظات كما انتهت صفحاتهم، وسيختفون من حياتنا كما اختفوا من فيسبوك خلال أيام قليلة".
وأضاف في "إكس": "صفحاتهم التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً، سقطت أمام وعي مجموعة شباب مخلصين في صفحة واحدة اسمها واعي، صفحة لا تملك المال، ولا الدعم، ولا الأسماء الرنانة، لكنها تملك أهم سلاح: الصدق والإخلاص والوعي".
ويتابع: "في أيام فقط، أغلقت عشرات الصفحات الحوثيرانية التي كانت تهاجم وتشتم وتكذب ليل نهار وتشوه اخلاقنا وديننا وقيمنا ووطنيتنا وتطمس هويتنا وتنال من كل يمني ذات فطرة سليمة وكنت اعتبرها تشوه بصري وسمعي لايمكن تقبله".
وأردف: "وهكذا ستسقط الميليشيا في الواقع تماماً كما سقطت في المواقع، ما يُسمّونه “قوة إعلامية” ليس أكثر من صخب إلكتروني من على منصات أمريكية، ينبحون من مواقع أمريكية وهم يلعنون أمريكا".
"الكميم" أنهى تدوينته بالقول: "تحية لهؤلاء الأبطال الذين أثبتوا أن الحوثي مجرد فقاعة إلكترونية، تضخّمها الأكاذيب، ويكشفها الصدق، لو تحرك الشعب والدولة بروحهم ووعيهم، لانتهى هذا الوهم في أيام، ولتحررت صنعاء كما تحرر الفيسبوك من ضجيجهم".
سخط حوثي
في المقابل، أثارت حملة الحذف سخطاً واسعًا لدى الحوثيين، منهم "حسن عباس" وهو أحد من طالتهم الحملة، التي زعم، أن من يقودها هي شركه "ميتا" بتوجيهات أمريكية، لإغلاق صفحات الناشطين والإعلاميين في صنعاء، في محاولة للتغطية على فشل أمنهم السيبراني في مواجهة صفحة مجهولة.
وأضاف الناشط في الجماعة، في تدوينة على منصة "إكس"، أن صفحة "واعي"، "مجرد واجهة لتغطية هذا الإجراء المخالف لحقوق وحريه التعبير واستخدام النفوذ لإسكات الأصوات، وتكميم الأفواه"، حد تعبيره.
رأي متخصص
ولمعرفة ما جرى تقنياً، تحدث لـ "بران برس"، مستشار وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة اليمنية المعترف بها، المهندس "رائد الثابتي"، الذي أكد أن عملية إغلاق حسابات الحوثيين، لم يكن "اختراقًا" للحسابات، بل "كانت تطبيقًا لسياسات المنصات، تم تفعيله وتسريعه بآليات تقنية محددة".
كما أكد أن "العملية الآلية" هي من سمحت بحذف عدد كبير من الحسابات القيادية والإعلامية للحوثيين/ في وقت متزامن تقريبًا، مضيفًا "لم يكن الأمر يتطلب موظفًا، يراجع كل حساب على حدة، بل كانت الخوارزميات تنفذ سياسة محددة مسبقًا على نطاق واسع".
ويرى "الثابتي" في حديث لـ"بران برس" أن إغلاق حسابات الحوثيين، لم يكن هجومًا خارجيًا لاختراقها، بل كان عملية "تطهير" داخلية من قبل المنصات نفسها بل بناء على بلاغات تتوافق مع سياسية المنصات الامريكية أساساً.
وأوضح أنه "تم تفعيل هذه العملية بقرار سياسي (التصنيف كمنظمة إرهابية) الذي تحول إلى مُشغِّل تقني، ثم تم تسريعها بشكل هائل عبر حملات إبلاغ جماعية (محتمل أن تكون مؤتمتة)، استغلت خوارزميات المراجعة القائمة على الذكاء الاصطناعي، لاتخاذ قرارات حذف سريعة وواسعة النطاق".
وذكر أن تلك الشركات تحتفظ بقواعد بيانات داخلية للكيانات والأفراد، المصنفين كإرهابيين أو خطرين، وأن تلك القوائم يتم تحديثها بناءً على تصنيفات حكومية رسمية، مثل قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
المهندس "الثابتي" أكد أنه "عندما تم تصنيف الحوثيين رسميًا، تم إدراجهم في هذه القواعد البيانية الداخلية"، لافتاً إلى هذا التصنيف يعمل كـ "مُشغِّل تقني" عبر المسح الآلي، إذ تقوم خوارزميات المنصة بمسح مستمر للمحتوى والحسابات الجديدة والقديمة، بحثًا عن أي تطابق أو ارتباط بالكيانات الموجودة في هذه القوائم.
وقال: إنه "يتم البحث عن أسماء صريحة، أو أسماء مستخدمين، أو حتى محتوى يمجد هذه الجماعات، بينما آلية التنفيذ، تكون من الإبلاغ إلى الحذف بمجرد وجود المُشغِّل التقني (التصنيف)، تصبح عملية الحذف أسهل وأسرع بكثير، وهنا يأتي دور الحملات المضادة التي استغلت هذه الآلية".
ولتوضيح نظام الإبلاغ، قال إن كل منصة لديها نظام إبلاغ يسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن محتوى أو حسابات تعتقد أنها تنتهك السياسات، وعندما يقوم مستخدم بالإبلاغ، يختار فئة الانتهاك (مثل: "خطاب كراهية"، "إرهاب"، "تمجيد العنف").
وأشار إلى وجود حملات الإبلاغ الجماعي، بأنه عندما يتلقى نظام المنصة عددًا هائلاً من البلاغات ضد حساب واحد، في فترة زمنية قصيرة، وبنفس فئة الانتهاك "إرهاب" في هذه الحالة، يتم رفع أولوية هذا البلاغ في نظام المراجعة.
وتوقع كذلك استخدام الأتمتة، بأنه من المحتمل استخدام بوتات، أو سكربتات، لتنظيم هذه الحملات، مشيراً إلى أنه من الممكن لسكربت بسيط أن يقوم بتسجيل الدخول إلى مئات أو آلاف الحسابات الوهمية أو الحقيقية ويقدم بلاغات بشكل آلي، مما يخلق انطباعًا بوجود انتهاك واسع النطاق ويجبر خوارزميات المنصة على الاستجابة بسرعة.
أما عن دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار، أكد مستشار وزير الاتصالات، أن الاعتماد على المراجعة البشرية لحذف ملايين الحسابات أمر مستحيل، لذلك، تعتمد المنصات بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، ومنها، النموذج الخوارزمي، والإدخالات.
وأضاف: "أن النموذج الخوارزمي يتلقى عدة إشارات، بأن الحساب مرتبط بكيان مصنف كخطر (الإشارة الأقوى)، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من البلاغات من المستخدمين، ثم تحليل محتوى الحساب نفسه (كلمات مفتاحية، صور، فيديوهات) ومقارنته بأنماط المحتوى الإرهابي المعروفة".
وطبقاً للمهندس الثابتي، يأتي بعد ذلك، معالجة القرار، بناءً على تلك الإشارات، فيتخذ النموذج قرارًا آليًا، نظرًا لوجود تطابق مع قائمة الكيانات المحظورة، مشيراً إلى أن القرار يكون غالبًا هو الحذف التلقائي، أو التعليق الفوري مع إرساله لمراجعة بشرية سريعة للتأكيد النهائي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news