في اعتراف نادر وصادم بالمدى العميق للأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران، صرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن حكومته "لا تستطيع أن تحكم والشعب جائع"، مؤكداً على أن حل الأزمة المعيشية بات أولوية قصوى. ويأتي هذا التصريح في وقت تتصاعد فيه الأصوات الدولية والإقليمية التي تسائل استمرار النظام الإيراني في ضخ أموال طائلة لدعم وكلائه في المنطقة، وعلى رأسهم مليشيا الحوثي في اليمن، التي تشن هجمات مستمرة على الملاحة البحرية وتستنزف موارد إيران الاقتصادية في ظل معاناة شعبها.
تفاصيل التصريحات والاعتراف بالأزمة:
خلال كلمة ألقاها يوم الثلاثاء أمام جلسة علنية للبرلمان الإيراني، لم يخف بزشكيان حجم الكارثة الاقتصادية التي تواجهها بلاده، قائلاً: "ميزانية هذا العام يجب أن تُنظم، بحيث تحتل معيشة المواطنين سلم الأولويات".
وأضاف الرئيس الإيراني، الذي يُنظر إليه على أنه إصلاحي المنحى، تحذيراً صريحاً من عواقب إهمال هذه الأزمة، قائلاً: "إذا لم تحلّ المشكلة المعيشية، فهذا يعني انحراف الحكومة عن الطريق الصحيح، وأتحمّل ذنبي، لكن ليست كلّ الذنوب ذنوبي وحدي، على المؤسسات والهيئات الأخرى أيضاً أن تعترف بأخطائها".
وتعكس هذه الكلمات حالة من اليأس داخل أروقة السلطة في طهران، حيث يعاني المواطنون من تضخم مفرط، وانخفاض قيمة العملة الوطنية (الريال)، وبطالة متفشية، وعقوبات اقتصادية دولية خانقة، أدت إلى تآكل القدرة الشرائية لملايين الأسر الإيرانية.
التناقض الصارخ: دعم الحوثي ومعاناة الإيرانيين
وتتعارض هذه الأولويات التي حددها بزشكيان بشكل صارخ مع السياسات الخارجية الإيرانية التي ترتكز على تصدير "الثورة" ودعم ما يسمى بـ"محور المقاومة". فبينما يعاني الإيرانيون لسد رمقهم، تستمر طهران في تخصيص موارد مالية وعسكرية هائلة لدعم حلفائها في المنطقة.
ويعد الحوثيون في اليمن أحد أهم أذرع هذا المحور وأكثرها تكلفة. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، كثفت المليشيا الحوثية هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، مدعومة بتسليح متطور وتدريب لوجستي وتمويل مباشر من إيران. ويشمل هذا الدعم صواريخ باليستية وطائرات مسيرة انتحارية، وتقنيات استخباراتية، كلفتها تقدر بملايين الدولارات شهرياً.
ويرى محللون سياسيون أن الأموال التي تنفق على تمويل عمليات الحوثي الحربية يمكن أن تُستخدم في تخفيف الأزمة المعيشية في إيران. فكل صاروخ يُطلق على سفينة في البحر الأحمر، وكل طائرة مسيرة تُستهدف مصالح غربية، هو في جوهره مورد مالي كان من الممكن توجيهه لدعم المواطن الإيراني الجائع، كما اعترف الرئيس بزشكيان.
ضغوط داخلية وخارجية:
تضع تصريحات بزشكيان النظام الإيراني في موقف محرج للغاية، فهي تكشف عن صراع داخلي بين تيار يدعو إلى إعطاء الأولوية للاقتصاد الداخلي واستيعاب الغضب الشعبي، والتيار المتشدد والمؤسسة العسكرية التي ترى في الدعم الخارجي للوكلاء ركيزة أساسية لسياسة إيران الإقليمية ونفوذها الجيوسياسي.
كما تمنح هذه الاعترافات المجتمع الدولي، وخاصة الدول الخليجية والغربية، ذريعة إضافية للضغط على طهران، ليس فقط بسبب برنامجها النووي، ولكن أيضاً بسبب سياساتها الخارجية التي تزعزع استقرار المنطقة على حساب معاناة شعبها.
و
يبقى السؤال الأبرز الذي يطرحه نفسه بعد تصريحات بزشكيان: هل ستترجم هذه الاعترافات إلى تغيير حقيقي في سياسات طهران الخارجية، وإعادة تقييم لتكاليف دعم جماعات مثل الحوثي؟ أم أنها مجرد ردود فعل آنية لضغوط شعبية متزايدة قد لا تؤثر في النهاية على مسار النظام الذي يراهن على نفوذه الإقليمي كعامل بقاء، حتى لو كان الثمن هو جوع شعبه؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مسار إيران في الفترة المقبلة، ومدى قدرتها على موازنة أزماتها الداخلية مع طموحاتها الخارجية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news