لو أن الجنوبيين ليلة الاستقلال في 1967م لم يربطوا هويتهم بهوية اليمن المفروضة عليهم حينذاك، فمن المرجح أن كثيرًا من الصراعات التي حدثت لاحقًا، والعواقب الناتجة عنها، كانت ستأخذ منحى مختلفًا وربما أقل حدة أو حتى نوعًا آخر من الصراع السياسي المدني.
ربط هوية الجنوب العربي باليمن جاء بقرار سياسي تبنته قيادة الجبهة القومية بدفع من تيارات قومية وعروبية، وساهم هذا الربط في إذابة الكيانات المحلية الجنوبية المتنوعة وفي فرض مشروع توحيدي قسري يحمل أعباء التنافس والصراع، بدلًا من الاعتراف بالخصوصية الجنوبية أو بهوية جنوبية مستقلة.
- أول قرار اتخذته قيادة الجبهة القومية عشية الاستقلال كان إطلاق اسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وهو ما رسم الخط السياسي للكيان الوليد وأقر ضمنيًا بأن الجنوب جزء من كيان وهمي اسمه اليمن، رغم عدم وجود دولة يمنية موحدة تاريخيًا بهذا المفهوم حتى ذلك الوقت.
هذا الربط أنهى فكرة الكيان الجنوب-عربي المستقل اتحاد الجنوب العربي وفتح الباب لمشاريع وحدة أو توحيد قسري مستقبلاً، وتسبب في تهميش الهويات الجنوبية المحلية لصالح هوية يمنية دخيلة، لم ترَ فيها الأطراف الجنوبية المختلفة نفسها، ما جعل الانقسامات الداخلية أكثر حدة وقابلة للانفجار عند كل أزمة سياسية.
ما لم يُدركه كثيرون أن نكبة الجنوب لم تبدأ عام 1994، بل في نوفمبر 1967، حين انتصرت فوهة البندقية على فكرة الدولة المدنية التعددية، وسِيق الجنوب إلى اليمننة منذ ليلة الاستقلال، لقد أكلت الثورة أبناءها قبل أن تبني وطنهم، ففقد الجنوب روحه الجامعة، واستُبدلت التعددية بشعارات الحزب الواحد، حتى صار الاستبداد يُمارس بلبوس التحرير.
اليوم، لا يحتاج الجنوب إلى ثورة جديدة، بل إلى وعيٍ جديد، وعيٍ يُدرك أن التحرير لا يكتمل إلا حين يتسع الوطن لكل أبنائه، وأن الصوت الواحد، مهما علا، لا يبني أمةً بل يهدمها...... "الثورة التي تأكل أبناءها لا تبني وطنًا، بل تقبره"
3- إسقاط الهوية اليمنية في الجنوب جعل المشروع السياسي محصورًا بين تيارات قومية ويسارية و أخيرًا إسلامية كلها تتبنى خطابات خارجية عابرة للحدود لا تنبع من خصوصيات الجنوب.
هذا التوحيد الإجباري والقمعي أدى إلى صراعات داخلية بين أطراف القيادة وبين قوى المجتمع، وأسال كثيرًا من الدماء في حروب السلطة والانقسامات الحزبية والجهوية التي توالت على مدار السبعينيات والثمانينيات.
لاحقًا، أسس تبني الهوية اليمنية لشرعنة مشروع الوحدة مع اليمن عام 1990، مكرسًا بذلك مسارًا جديدًا من الأزمات المرتبطة بإعادة إنتاج التهميش والتنازع حول الموارد والهوية والمصالح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news