مرة جديدة، تُثبت العملية التي نفّذتها قوات المقاومة الوطنية بالتعاون مع خفر السواحل والاستخبارات العامة قبالة مضيق باب المندب، أن الحرب في اليمن تجاوزت حدودها المحلية لتتحول إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح تُختبر فيها أدوات النفوذ الإيراني وأساليبه الجديدة في الالتفاف على العقوبات الدولية.
فالشحنة التي ضُبطت مؤخرًا لم تكن مجرد محاولة تهريب معزولة، بل جزء من شبكة متكاملة لإمداد الحوثيين بمواد كيميائية ذات استخدام مزدوج، بما يمكّنهم من تطوير قدراتهم التصنيعية داخليًا وتحويل اليمن تدريجيًا إلى قاعدة إنتاج عسكري غير معلنة في خاصرة الممرات البحرية الحيوية.
وتكشف تفاصيل العملية أن التهريب لم يعد يقتصر على الأسلحة التقليدية، بل أصبح يشمل مواد متقدمة تدخل في تصنيع الصواريخ والمسيّرات، وتعزز قدرتها على التخفي من الرادارات أو مقاومة الحرارة أثناء الإطلاق، وهو ما يعني أن الجماعة تسعى إلى امتلاك تقنيات تصنيع معقّدة تسمح لها بالاستقلال عن خطوط الإمداد المباشر القادمة من طهران. وبذلك، تتضح ملامح تحوّل نوعي في الدور الإيراني يقوم على "نقل المعرفة والخبرة" بدلاً من شحن السلاح فحسب، وهو تحول يرفع مستوى الخطر من تهديد تكتيكي محدود إلى خطر استراتيجي طويل المدى.
شحنة خطيرة
وأعلنت شعبة الاستخبارات العامة في المقاومة الوطنية أن القارب الخشبي الذي تم إيقافه قادم من سواحل جيبوتي متجهًا إلى ميناء الحديدة، وكان يحمل 24 برميلاً من مادتي الفينول والفورمالدهيد، إلى جانب ملابس وكمامات ومستلزمات خاصة بالعمل في المعامل الكيميائية وبدلات ومهمات عسكرية أخرى.
وأوضحت الجهات الأمنية أن هذه المواد ليست محض سوائل صناعية عادية، بل تُستخدم في صناعات متقدمة ذات تطبيقات مزدوجة؛ من مقاومة الحرارة والعزل داخل محركات الصواريخ إلى صناعة هياكل خفيفة للطائرات المسيَّرة، بل وحتى في تركيبات تمتصّ الموجات الكهرومغناطيسية ما قد يقلّل من بصمة الرادارات على الطائرات والسفن الحربية. هذه الخصائص تحوّل الشحنة من تهريب تجاري اعتيادي إلى عنصر مباشر في صناعة القدرات القتالية.
تأتي هذه الحصيلة الأمنية في وقتٍ سبق فيه ضبط شحنات أكبر تضم أسلحة ومعدات متطورة، حيث أشار بيان المقاومة إلى ضبط أجهزة فحص مواد كيميائية ضمن حمولات أعيد تصنيفها كشبكات تهريب تُديرها جهات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. كما كشف اعتراف أعضاء الخلايا المضبوطة عن أساليب إخفاء متقنة (حافظات تبريد متحكّم بدرجات حرارتها من خبراء إيرانيين، وعبوات تمويه كعلب حليب وأدوية) ما يعكس درجة احترافية مبرمجة في منظومة التهريب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news