اتخذ مجلس القيادة الرئاسي، بإجماع كامل لأعضائه، قرارًا يقضي بتحرير سعر الدولار الجمركي واعتماد خطة شاملة للإصلاحات الاقتصادية، في مسار يهدف إلى إعادة ضبط المنظومة المالية وإنعاش موارد الدولة المنهكة جراء سنوات من التدهور الاقتصادي والانقسام الإداري.
ويأتي القرار بعد مشاورات مكثفة داخل المجلس بين الأعضاء والجهات المعنية، وسط إدراك جماعي بأن استمرار الوضع الحالي لم يعد ممكنًا، وأن معالجة التشوهات المالية تتطلب قرارات جذرية، حتى وإن كانت مؤلمة على المدى القصير، ليمثل التحرير الجمركي في جوهره محاولة لردم الهوة بين السعر الرسمي للدولار الجمركي والسعر المتداول في السوق، والذي تسبب لسنوات في نزيف إيرادات ضخم، واستغلال غير مشروع من قبل بعض التجار والموردين الذين استفادوا من الفارق الكبير في التسعير.
ويرى محللون أن هذا التوجه يعكس تحولًا نوعيًا في فلسفة الإدارة الاقتصادية للدولة، حيث لم يعد الهدف مجرد معالجة مؤقتة للأزمات، بل الانتقال نحو مرحلة إصلاح هيكلي شامل، تتكامل فيه السياسات المالية والنقدية لتحقيق استقرار طويل الأمد.
لكن في المقابل وما يهم المواطن هو أن القرار يثير مخاوف حقيقية لدى الأوساط الشعبية والتجارية من موجة تضخم قادمة نتيجة ارتفاع كلفة السلع المستوردة، وهو ما قد ينعكس على الأسواق بشكل مباشر خلال الأسابيع المقبلة
ومن الناحية الإدارية، فإن نجاح القرار سيعتمد بدرجة كبيرة على جاهزية الأجهزة الجمركية والمالية لتطبيقه بآليات شفافة ومنضبطة، وعلى قدرة البنك المركزي في ضبط حركة السوق ومنع أي ارتدادات عشوائية في سعر الصرف، كما سيتعين على الحكومة استثمار الإيرادات الإضافية المتوقعة في تمويل قطاعات حيوية مثل الطاقة والخدمات الأساسية، بما يخلق أثراً ملموساً يشعر به المواطن في حياته اليومية.
ويعد إجماع المجلس الرئاسي على القرار في ذاته مؤشراً إيجابياً لعودة مركز القرار الاقتصادي إلى طاولة واحدة بعد مرحلة طويلة من التباين في المواقف والتوجهات، ما يعزز من فرص تنفيذ خطة الإصلاحات دون عراقيل سياسية أو مؤسسية، ومع ذلك، فإن اختبار النجاح الحقيقي سيبدأ عند ترجمة القرار إلى واقع فعلي، يوازن بين متطلبات الإصلاح المالي من جهة، والبعد الاجتماعي المعيشي من جهة أخرى.
وفي النهاية، يمثل قرار تحرير سعر الدولار الجمركي واعتماد خطة الإصلاحات الاقتصادية منعطف هام في مسار التعافي المالي للدولة، لكنه أيضًا تحديًا صعبًا يتطلب حنكة في التنفيذ وجرأة في المتابعة، حتى لا يتحول العلاج الاقتصادي المنتظر إلى عبء جديد يضاف إلى معاناة المواطن المثقل بالأزمات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news