بعد عشرة أيام من الاجتماعات المكثفة في العاصمة السعودية الرياض، أقر مجلس القيادة الرئاسي اليمني تحرير سعر الدولار الجمركي ورفع أسعار المشتقات النفطية خلال أسبوعين، ضمن حزمة إجراءات تهدف إلى تعزيز الإيرادات المستدامة، بناءً على خطة قدمها رئيس الوزراء ووزير المالية، بحسب ما ورد في محضر الاجتماعات الذي تداولته وسائل إعلام محلية.
القرار، أثار موجة انتقادات واسعة من ناشطين اقتصاديين، حيث كلّف المجلس قيادة وزارة النفط بإعداد دراسة لتوحيد أسعار المشتقات في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا صريحًا لرفع أسعار الوقود، بما يتماشى مع تحرير الدولار الجمركي الذي سيُربط بسعر السوق السوداء.
إجراءات مالية صارمة .. والأنظار نحو المواطن
كما ألزم القرار كافة الوحدات الاقتصادية بتوريد أرباحها إلى البنك المركزي، وشدد على تعزيز عمل لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد لضبط سعر الصرف وتحقيق الاستقرار النقدي. وتضمنت الإجراءات ترتيبات مؤقتة لتثبيت المبالغ المجنبة من المحافظات خلال شهري نوفمبر وديسمبر.
الحكومة بدورها وُجّهت بتغطية النفقات الحتمية، وعلى رأسها رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع التشديد على ضرورة التزام المحافظات والمؤسسات بالتوريد الكامل للإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، وإغلاق الحسابات الحكومية خارج النظام المالي، وإلغاء الصناديق والرسوم غير القانونية، في إطار إصلاحات تهدف إلى ضبط الموارد العامة وتحسين الرقابة المالية.
انقسام سياسي .. وتمسك بالمحاصصة
بالتوازي، كشفت مصادر سياسية أن رئيس الوزراء سالم بن بريك يستعد لعقد لقاءات مع سفراء دول الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، أمريكا، بريطانيا) وفرنسا، بعد فشل أربعة اجتماعات متتالية لمجلس القيادة في التوصل إلى تفاهمات بشأن آليات توحيد الإيرادات ونقل الصلاحيات التنفيذية إليه.
المصادر أوضحت أن الانقسام داخل المجلس حال دون تمرير المقترح، رغم دعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرى في نقل الصلاحيات خطوة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد.
وأشارت إلى أن بن بريك يسعى للحصول على دعم دولي مباشر، معتبرًا أن تمسك رئيس المجلس رشاد العليمي وبعض الأعضاء بعرقلة القرارات التنفيذية أدى إلى شلل حكومي، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية خانقة وانقطاع رواتب الموظفين منذ أشهر.
انتقادات
عقب تسريب المحضر الذي تضمّن إجراءات تحرير الدولار الجمركي ورفع أسعار المشتقات، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بانتقادات حادة. الصحافي فتحي بن لزرق قال: "رفع الدولار الجمركي سيكون القرار الوحيد الذي يُنفذ من حزمة الإصلاحات، لأنه الوحيد الذي يدفع المواطن ثمنه مباشرة".
وأضاف: "المشكلة ليست في نقص الموارد بل في تسربها خارج خزينة الدولة"، مؤكدًا أن 80% من الإيرادات لا تصل إلى البنك المركزي في عدن، وأن القرار سيؤدي إلى "تدمير الاستقرار الاقتصادي الهش وإشعال الأسعار مجددًا".
ووجّه رسالة مباشرة إلى رئيس الحكومة سالم بن بريك: "ومن هنا، أعلن رفضي المطلق لهذا القرار، وأدعو كل الإعلاميين والناشطين والمواطنين إلى الاصطفاف لرفض هذه المسرحية الهزلية التي لا هدف منها إلا تحميل الشعب مزيدًا من الأعباء".
هجوم اقتصادي وتحذيرات من انهيار
الكاتب الاقتصادي ماجد الداعري هاجم مجلس القيادة الرئاسي بشدة، معتبرًا أن: "أسبوعين من الاجتماعات المتعثرة كفيلة بإدخاله موسوعة غينيس كأكثر مجلس فشلًا في العالم"،
مضيفًا أن عجز الحكومة والمجلس عن استعادة الموارد أو صرف المرتبات: "لا يعفيهما من المسؤولية، بل يفرض عليهما الاعتراف بالفشل وتقديم الاستقالة بدلًا من التذرع بالأزمات".
الناشط والإعلامي وفيق صالح رأى أن قرار تحرير الدولار الجمركي:
"يرتبط بمحاولة تعزيز موارد النقد الأجنبي واستئناف تصدير النفط والغاز"، محذرًا من أن: "غياب الإجراءات التمهيدية لتوحيد الإيرادات سيجعل القرار ناقصًا في التنفيذ ومصدرًا لاضطرابات جديدة في الأسواق".
أما الصحافي الاقتصادي سعيد كرامة، فحذر من: "كارثة اقتصادية وشيكة"،
مؤكدًا أن مجلس القيادة: "أقر بالإجماع تحرير الدولار الجمركي خلال أسبوعين"، رغم التحذيرات من تداعيات القرار على الأسعار والمعيشة.
وأضاف كرامة: "النتائج ستكون وخيمة في ظل غياب رقابة حقيقية على التجار واحتكار موارد الدولة"،
مشيرًا إلى أن القرارات ستؤدي إلى اختلال المنظومة السعرية في الأسواق، وخروج المواطنين في تظاهرات، تتزامن مع تمرد ورفض المحافظات التوريد بحجة حاجتها للنفقات التشغيلية لأجهزتها المحلية.
الأسعار إلى ارتفاع… والأزمة تتفاقم
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن تحرير سعر الدولار الجمركي دون توحيد الإيرادات وتفعيل الرقابة المالية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة المعيشية، ويرفع أسعار السلع الأساسية بنسبة قد تتجاوز 30% في المرحلة الأولى، خصوصًا في ظل استمرار تدهور سعر العملة المحلية وتراجع الإنتاج النفطي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news