المرحلة المسمومة.. ربح فيها الانتهازيون والمتسلقون
قبل 3 دقيقة
هذه المرحلة من تاريخ اليمن هي بلا جدالٍ، من أكثر الفترات سُمًّا، والأشدّ قبحًا، والأغزر نفاقًا،
اختلطت فيها المعايير، وتبدّلت فيها القيم، حتى صار الانتهازيون هم الرابح الأكبر، والمتسلقون هم الأقدر على البقاء، بينما دُفع أصحاب المواقف المبدئية إلى هامش المشهد أو إلى غياهب السجون والمنافي، وسُحِقَت المبادئ تحت أقدام الطامعين واللاعبين بالبيضة والحجر.
للأسف، لم يربح من هذه المرحلة المسمومة أحدٌ سوى أولئك الذين احترفوا فنّ التلوّن والانبطاح، يغيّرون ولاءاتهم كما تُغيَّر الأقنعة في مسرحٍ عبثيّ، و فُتحت لهم الأبواب على مصراعيها، ونالوا النصيب الأوفر من المناصب والوجاهة والمال. أما من تجرّأ أن يقول كلمةَ حق، أو تمسّك بموقفٍ وطنيّ نزيه، فقد كان نصيبه التشريد، والإقصاء، والسجون، والنسيان. إنها مرحلة لم تُكافئ الشرفاء، بل جعلت من الانتهازية سلّماً للنفوذ، ومن الخداع مهارة سياسية.
المؤلم أن هذا الانحراف القيمي لا يقتصر على سلطة بعينها.
ففي مناطق "الشرعية" كما في مناطق "الحوثي"، تُمارس ذات السياسة القائمة على الإقصاء والمحاباة والتسلق.
كلا الطرفين ،وإن اختلفت شعاراتهما، يتشابهان في الجوهر،
تقديس الولاء على حساب الكفاءة، وازدراء الوطنيين الحقيقيين الذين لا يجيدون لغة التمجيد ولا طقوس التبرير.
هكذا، باتت الوطنية مجرّد شعار قديم مهترئ لا يصلح إلا للتزيين الإعلامي، بينما تمضي الحياة الفعلية وفق قانون الظهور القوية والرُكب الأقوى، لا وفق مبدأ الحق والعدالة.
لقد أصبحت الساحة اليمنية مسرحًا مفتوحًا للمتسلّقين والمستفيدين من الفوضى، الذين يعرفون كيف يبرعون في خطاب الوطنية، دون أن يحملوا في قلوبهم ذرة منها.
أما الذين صدقوا الانتماء ووقفوا بشرف، فقد تم نفيهم معنويًا، أو خُنق صوتهم في دوائر الإهمال والتهميش. مفارقة موجعة أن تُكافأ الانتهازية، ويُدان الإخلاص.
ومع ذلك، فإن قوانين التاريخ أقوى من مؤقتي السلطة.
المرحلة المسمومة هذه و مهما طال امتدادها، لا تدوم؛ لأن السمّ لا يصنع حياة، والباطل لا يملك جذورًا تمتد.
طال الزمن ام قصر ستسقط الأقنعة، وسينكشف وجه الحقيقة حين يُمحّص الناس بالمعاناة ويُغربل المشهد من الزيف. فما يبقى في النهاية هو ما وُلد من صدق، وما كان للوطن لا للمصلحة.
سيأتي يوم وسينتهي زمن المتسلقين، كما انتهى غيرهم عبر التاريخ، ويبقى فقط من قالوا كلمة حق في زمنٍ يكره الحقيقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news