تقرير/ بشرى العامري:
دوماً ما كان الإبداع الفني والأدبي مرآة الناس ولسان أحلامهم، ينبض بما يجيش في صدورهم من تطلعٍ نحو الحرية والكرامة.
وفي كل محطة تغيير كبرى شهدها شعبنا كان المبدعون في طليعة الركب، يبشرون بالتحول، ويغنون للأمل قبل أن يلوح فجره.
الفنانون والأدباء في بلادنا هم صُنّاع أملٍ حقيقيون، يرسمون بالكلمة واللحن طريق التحرر والنهضة. وفي مسار ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 المجيدة، ويوم الجلاء في الثلاثين من نوفمبر ١٩٦٧، لم يكن المبدعون مجرّد شهودٍ على الاحداث، بل كانوا نواتها الأولى، ومشاعلها المتقدة.
ويسجل التاريخ أن الانفتاح على العصر، وتعزيز قيم الحرية والمساواة، كانت من ثمار الثورة اليمنية العظيمة، التي أنجبت جيلاً من الثوار حملوا الأقلام والآلات الموسيقية، كما حملوا البنادق فكانوا رسل التنوير والتحرر.
كان كل فنانٍ وشاعرٍ وكاتبٍ يؤمن أن للفن رسالة تتجاوز الترف والجمال، لتصير فعلاً مقاوماً، وسلاحاً في معركة الكلمة والنغمة ضد الظلم والاحتلال.
ومن بين أصوات الثورة، انطلقت أغانٍ خالدة ما زالت ترنّ في الوجدان حتى اليوم، “طفي النار”… “يا ميناء التواهي”…
وغيرها من أغانٍ صاغها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي لتكون نشيداً للحرية، وصدىً للنضال. ومثله كانت اغاني إسكندر ثابت ومحمد محسن عطروش تصدح في كل الارجاء.
وكانت أصوات محمد سعد عبدالله واحمد قاسم وعوض أحمد وطه فارع وقبلهم أحمد فضل القمندان وعشرات من قامات الإبداع تؤكد أن الثورة في قوة صاعدة لأنها نابعة من قلوب مبدعين، ومهدت لها كتابات وأشعار لطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة ومحمد عبدالولي ومعهم أسماء عدة من كل أرجاء البلاد أمثال ابراهيم صادق وعبدالله عبدالوهاب نعمان وأبو بكر المحضار وعلي مهدي الشنواح. وقائمة ممتدة على طول البلاد وعرضها.
بدءا من أغنية الثورة الأكتوبرية الأولى دون منازع، وأم الأناشيد الوطنية التي ارتبطت بوجدان الشعب في ثورة 14 أكتوبر المجيدة “برع يا استعمار من أرض الأحرار” التي لحّنها وغنّاها الفنان الكبير محمد محسن عطروش، وكتب كلماتها الراحل الشاعر الكبير عمر عبدالله نسير،
ولم يتردد المرشدي في السخرية من المحتل في أغنيته الشهيرة “قائد الجيش البريطاني ارتبش”، التي جسدت ذعر المستعمر أمام شجاعة الفدائيين.
وحين كان يغني: “يا طير كم أحسدك، حريتك في يدك”، كانت الجماهير في عدن وكل مدن الجنوب تسمع في صوته نداءً للتحرر، وصرخةً من أجل وحدة اليمنيين تحت راية الثورة والكرامة.
كانت أقلام الأدباء الثوار وألحان الموسيقيين الأحرار تتآلف لتصنع وجداناً يمنياً جديداً، مشبعاً بروح الكرامة والعنفوان.
ومن رحم ثورة أكتوبر المجيدة، ونوفمبر الخالد، ولدت مرحلة ازدهار فني وأدبي غير مسبوقة، أضاءت سماء اليمن بنجوم الإبداع في كل لونٍ من ألوان الثقافة والفن.
هكذا تكون الثورات الحقيقية تولد في قلب فنانٍ يرى أبعد من زمنه، يكتب أول الحكاية بلحنٍ أو قصيدة، ثم تتجذر في ضمير الأمة مساراً للحياة، يفتح نوافذها على قيم الحرية والحداثة، ويمنحها صوتاً لا يخبو، حتى بعد أن يصمت المدفع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news