بروفايل | ابن الشطرين وبطل الثورتين.. من هو الجمهوري العتيد اللواء أحمد صالح الصوفي؟

بعيدًا عن الشعارات والخطابات وحسابات المصالح، حمل أحرار الثورة اليمنية، سبتمبر وأكتوبر، الوطن في قلوبهم، قاتلوا عنه ومن أجله بالسلاح والموقف، افتدوه بدمائهم وأرواحهم لتحريره من ربقة الاستبداد والاستعمار.

اللواء الركن أحمد صالح الصوفي، أحد أبطال الثورة والجمهورية الأوائل. انتمى إلى أكثر من محافظة لكنه ظل يعتبر نفسه ابنًا لـ“اليمن الكبير”، من صعدة حتى المهرة، ومن ميدي إلى عدن.

ولد في منطقة تتقاطع فيها مديريتا العبدية (مأرب) وعين (شبوة)، وظل لعقود مثالًا للجندي المخلص والقائد الفذ والمقاتل الشجاع، وممن خطو بدمائهم وعرقهم معالم الدولة اليمنية الحديثة بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

بين التشطير والوحدة

عاش الصوفي في زمن التشطير حين كانت أرضه مقسومة بين الشطرين، ولم يتمكن من العودة إلى أرضه وأهله في مديرية عين إلا بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. 

لكنه ظل طوال حياته يعتبر نفسه “ابن اليمن الكبير”؛ فمأرب، وشبوة، والبيضاء، وصنعاء، وحتى تعز والضالع، كلها كانت ساحات واجب وليست مجرد محطات إقامة.

نداء الثورة والتحرير

بدأ مشواره العسكري عام 1959، حينما التحق عريفًا في البرانية بقيادة صالح بن ناجي الرويشان أمير البيضاء آنذاك. وشارك في معارك مقاومة الاستعمار والسلاطين في الصومعة، وناطع، ونعمان، وحريب حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد حكم الإمامة المستبد.

مع اندلاع الثورة، سارع الصوفي إلى تأييدها والانخراط فيها ميدانيًا، فقد اُستدعي إلى صنعاء ضمن وفد قبلي بقيادة الشيخ أحمد عبدربه العواضي، وكان في استقبالهم المشير عبدالله السلال وعدد من قيادات مجلس الثورة.

وكان ضمن قيادة أول تشكيل ميداني للقوات الجمهورية في البيضاء ومأرب، وقاد مع رفاقه تحرير مدينة حريب التي سقطت بأيادي الملكيين وشريف بيحان والاستعمار.

حينها صدر قرار قيادة الثورة بتشكيل كتيبة بقيادة النقيب جونه عبدربه العواضي، وكان الصوفي أحد أربعة ضباط برتبة ملازم ثاني فيها. كما اعتُمد جيش شعبي قوامه ألف مقاتل بقيادة الشيخ أحمد عبدربه العواضي، واتجه إلى العبدية عن طريق الجريبات آل عواض. وأضيف إلى قيادة الحملة صالح المجاهد ومحمد عبده نعمان وجبر بن جبر وناصر الأحرق ومحمد أحمد العواضي وأحمد سالم العواضي، ونجحت في تحرير مدينة حريب.

وفي حريب التقت قيادة الحملة بعضو قيادة مجلس الثورة صالح الأشول، والذي قام بتزويد القوات بالمدفعية والذخائر لتواصل طريقها نحو مأرب الجوبة، لتلتحم بطلائع القوات المصرية واليمنية والجيش الشعبي.

التدريب والمعارك 

مطلع العام 1963، التحق بمدرسة المشاة والحرس الوطني، وفيما تلقى التدريب ودرّب آخرين. 

ومن ثم شارك في فتح طريق الحديدة وتطهير الحيمتين بقيادة الشيخ أحمد عبدربه العواضي وبمشاركة جموع من قبائل البيضاء ومأرب وشبوة.

لواء الوحدة.. عمود الجمهورية

شارك الصوفي في تأسيس لواء الوحدة الذي ضم آلاف المقاتلين من كل اليمن، وكان بمثابة عمود الجمهورية.

فقد شُكل اللواء بداية العام 1964 بقوام 6 آلاف مقاتل من شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربة، وكان الصوفي قائدًا للسرية الأولى من الكتيبة الثالثة برتبة نقيب، ثم تدرج حتى أصبح قائدًا للواء في العام 1966.

دعم ثورة الاستقلال

بداية 1965 تمركز لواء الوحدة في ثلاث مناطق رئيسية أولها: داخل محافظات الجنوب وإلى تعز، لتنفيذ مهام تدريب وتموين جبهات القتال في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني والتي كانت تمونها القيادة اليمنية والمصرية.

شارك الصوفي في تموين جبهات القتال في الجنوب، وكان أحد الأعضاء السريين في جبهة التحرير. ونجح في إيصال جزء من الدعم  في محور الضالع ولحج وبيحان بحكم معرفته وتواصله بعناصر في الداخل، وساعده في ذلك مركزه القيادي في لواء الوحدة الذي كان يعد من أبرز الألوية حينها. 

قيادة لواء الوحدة وحصار السبعين

التحق بالكلية الحربية. ثم عاد إلى الميدان لمواصلة عمله ضمن لواء الوحدة في أواخر حصار السبعين، وكُلف بقيادة الكتيبة الثانية وقيادة المحور الغربي على طريق الحديدة بعد إعادة فتحها.

بعدها عُين أركان حرب لواء الوحدة، وحينها كان علي عبدالله صالح أحد ضباط المدرعات العاملين تحت قيادته، والتي شاركت في المحور وإعادة فتح الطريق مرة ثانية بقيادة مجاهد أبو شوارب والعميد حسين الدفعي.

بداية عام 1966 عُين قائداً للواء الوحدة خلفاً للمقدم علي الضبعي.

وشارك في أحداث أغسطس 1966 إلى جانب القيادة السياسية ممثلة بالقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس مجلس الرئاسة.

مهام ومناصب أخرى

شارك في فك الحصار عن مدينة حجة، في معركة تاريخية تعد الثانية بعد حصار صنعاء، فقد كانت الكتيبة الثالثة من لواء الوحدة بقيادة الرائد علي صلاح آنذاك تدافع عن حجة المحاصرة، ودُعُي الصوفي إلى اجتماع في قيادة اللواء بعصر برئاسة الفريق حسن العمري والمناضل عبدالسلام صبره والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والمقدم مجاهد أبو شوارب وكُلف مع رفاقه بالمهمة، ونجحوا في تنفيذ الخطة وفتح الحصار.

- عام 1969 عُين أركان حرب ونائباً لقائد اللواء في البيضاء

- عُين قائداً لمحور البقع عند افتتاحه عام 1972. ثم عُين نائبًا لقائد لواء صعدة بدلاً عن الشيخ الشهيد ناصر الأحرق.

- في 1975 عُين قائداً لمحور البقع مرة أخرى.

- في عهد إبراهيم الحمدي، ترك العمل بسبب خلافات سياسية واتهامات غير مبررة، واعتزل العمل الرسمي حتى عام 1981.

العودة للخدمة والمشاركة السياسية

- عُين نائباً لقائد لواء إب بعد استدعائه من قبل الرئيس علي عبدالله صالح.

- شارك في تأسيس المؤتمر الشعبي العام، وكان عضوًا في اللجنة الدائمة.

- عُين قائداً للواء الأول مشاة، ومن ثم قائداً للواء السلام ومحور العدين.

- عاد إلى موقعه نائباً لقيادة المحافظة وترأس قيادة المعسكرات الصيفية (1986- 1987).

- ترأس غرفة العمليات الانتخابية لمجلس النواب قبل الوحدة وبعدها في عام 1993 

- قاد حملات لحل النزاعات القبلية والسياسية في عدة مديريات بدعم من قيادات المحافظة بدءًا من العميد محمد الجائفي مرورًا بالعميد صالح الخولاني واللواء يحيى المتوكل وعبدالقادر هلال وصولًا إلى العميد علي القيسي.

الوفاة والإرث

توفي اللواء الصوفي في جمهورية مصر بعد صراع طويل مع المرض. وأوصى بأن يدفن في تراب الوطن بمديرية عين، محافظة شبوة.

ورغم المناصب العديدة التي تقلدها، لم يكن ممن يكدسون الثروة أو يبنون النفوذ، بل خرج من الدنيا كما دخلها: لا أراضي، لا بيوت، لا حسابات. وكل ما تركه لأبنائه: حب الوطن، والدين، وتاريخ نظيف لا يُقدر بثمن. إضافة إلى ديون متراكمة نتيجة تكاليف علاجه أواخر عمره في السعودية وتركيا ومصر على نفقته الشخصية.

رحل اللواء الصوفي، تاركًا وراءه تاريخ من النضال والنقاء، وسجل ناصع من النزاهة والشرف والوفاء لمبادئ وقيم الثورة اليمنية، 26 سبتمبر و14 أكتوبر و22 مايو، حتى آخر لحظة في حياته.