بشرى العامري:
نظّمت توكل كرمان مؤتمراً في تركيا بعنوان “الخبراء اليمنيون”، فقامت الدنيا ولم تقعد!
تابعت الضجة التي صاحبته والتي كانت عبارة عن ردود فعل من المنظمين، لا من مضمون الانتقادات نفسها، ولاحظت أن التوتر الأشد جاء من أنصار حزب الإصلاح الذين بدوا في حالة استنفار غير مبررة على حدث عادي.
اطلعت جزئيا على بعض جلسات المؤتمر، ووجدت فيه ملاحظات منهجية بالفعل، لكنه في النهاية لقاء موسّع يمكن اعتباره نشاطا محمودا، لا أكثر. فلماذا إذا كل هذه الضجة؟
أظن أن المسألة تعود لسببين أساسيين، الأول يتعلق بحزب الإصلاح نفسه، والثاني بشخصية توكل كرمان.
أما بالنسبة للمسألة الأولى، فمردّها إلى علاقات حزب الإصلاح الملتبسة والمتوترة مع معظم القوى السياسية اليمنية، يسارية كانت أو مؤتمرية.
فالحزب، بحكم تاريخه، يجر وراءه سلسلة من الخصومات والثارات السياسية، ولهذا يجد نفسه في مواجهة انتقادات أو حتى افتراءات عند كل خطوة يقوم بها.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن الإصلاح يبادل الآخرين النهج ذاته، بالإقصاء والتهميش واحتكار الحقيقة.ويمكن ان ننظر لتكريس مؤتمر تركيا لقائمة اسماء لا تخرج عن أعضاء الحزب ومناصريه .
فمنطق التنظيم المبسّط، كما يبدو في سلوك أتباعه، يقوم على تقسيم العالم إلى قسمين لا ثالث لهما وهم أنصاره “المميّزون” المؤمنون ، وبقية الناس، أي اليمنيين جميعا ومن خلفهم العالم بأسره، الذين يُنظر إليهم كخصوم وربما كفار!
بهذا المنطق يضع الإصلاح نفسه في زاوية ضيقة، صنعها بنفسه، فيما يمعن الآخرون في دفعه إلى عمقها أكثر.
أما المسألة الثانية، فتتعلق بشخصية العزيزة توكل كرمان ذات الطابع الصدامي، والتي تمتلك قدرة عجيبة على كسب الأعداء أكثر من الأصدقاء.
فلها أنصار مخلصون بالفعل، لكن كثيرين يرون فيهم مجرد تابعين لا أصحاب رأي مستقل، حتى المقربون منها يتجنبون في الغالب إظهار علاقتهم بها علنا. او المباهاة بهذه العلاقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك حالة “التضخّم الذاتي” التي يعيشها مروان الغفوري، نفهم لماذا قوبل المؤتمر بنظرة من النقيصة والتشكيك.
ومع ذلك، دعونا نكون منصفين في أن ما حدث لا يتجاوز كونه مؤتمراً، تضمن أوراقاً ونقاشات لا تخلو من الجدة والجودة والركاكة ، ولا يبرر كل هذا التضخيم من الطرفين.
ليس من المنطق أن تصفه توكل ومن معها بأنه المؤتمر الفلتة التي لم يسبقهم إليه أحد، كما أنه ليس حدثا يستحق التهويل السلبي أيضا.
هناك عشرات الأنشطة المشابهة التي سبقت، وبعضها أكثر عمقاً وتأثيراً.
ولعل المبالغة في التمجيد هي ما أضرّ بصورة المؤتمر أكثر من الانتقاد نفسه، خصوصاً حين يصف أحد المعلّقين مداخلة عادية بأنها “إنجاز يصل إلى السماء” أو يلقب صاحبها بـ”أعظم المفكرين”!
والخلاصة أن أي نشاط يذكّر باليمن، ويفتح باب النقاش حول حلول أزمته، هو خطوة إيجابية ومقدّرة.
لكن التوازن في التقييم، والابتعاد عن التقديس أو الشيطنة، هو ما يجعلنا نرى الأمور على حقيقتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news