الشاهد برس | عبدالكريم الشميري.
يتنامى خَطّي الأدبي والفكري بتنامي اطّلاعي منذ أن كنتُ قارئًا في القرية، في صفوف الابتدائية، متأبّطًا الكثير من المجلات والكتب، خلافًا لما هو مقرّر في الدراسة.
فبدوتُ لأقراني غريبًا، ولا غريبَ في الأمس كما اليوم، إلا الشيطان.
ومرّت الأيام واتسع هذا الخطّ أفقيًا بما أضافته القريحة الشعرية، وبما غرسه فيّ حبُّ الاستقلال في الرأي والكتابة، وما مرّ به الوطن من إرهاصات ومتاعب، وما تعلّمه اليمنيون من تجارب خلال هذا العقد.
ففي الأصل، الحرية فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتأتي الكتابة إحدى مفردات هذه الحرية.
لا حجر على ما يكتب الكاتب الحرّ، ولا حوائل أو موانع سوى ضميره، وما لا يخلّ بالشرع.
حدث هذا، وقد كدتُ أن أنتهي من إعداد دراسةٍ اجتماعية. عن خولان ضمن تنوّع ما شكّلني من الكتابة وحريّتها — تلك التي عنان سمائها لا يُحدّ — فقفزتُ لأجعل خولان الطيال مبتدأ الدراسة ومنتهاها.
وتوالت الأحداث كما لم يخطر على بالي، ولا على بال اليمنيين، خطرٌ منها الكثير، والقليل لم يخطر أصلًا.
وفي ثنايا ذلك كلّه والمصادفة ، وقوع حادثُ احتجاز الشيخ محمد الزايدي من قِبَل ما يُعرف بالشرعية، على مشارف محافظة المهرة.
تناولت القنوات والمواقع الإعلامية الحدث كخبرٍ عاجل، وعند بعضها كـ”سبقٍ صحفي”.
ومن حيث لا يعلم أولئك، غدا الشيخ محمد مثار تضامن اليمنيين واستنكارهم للحدث ، من شمال الوطن إلى جنوبه ووسطه، واتفق الجميع على أنّ ما حدث تجاوزٌ للشرعية والقوانين الموضوعة، كما هو خرقٌ للأعراف والأسلاف القبلية.
وكيف لا، والشيخ محمد الزايدي كبير قومه وقبيلته، وأحد أبرز الوجاهات القبلية في خولان ومأرب واليمن كافة.
وقد راهنتُ على إطلاقه، في إطار اقترابي من كثير من الناس، وزياراتي لمحافظات الشمال، وكنت واثقًا تمامًا من عودته معزّزًا مكرّمًا كما ذهب.
عبّرتُ عن ذلك بأكثر من طريقة، وبأكثر من تعليق وإضافة، وقلتُ بصريح العبارة:
“سيعود، وسيُطلق رافعًا رأسه، فهو من هو في العُرف والأعراف.”
وزدتُ مؤكّدًا أن داعي المحافظات الشرقية — من مأرب حتى المهرة، مرورًا بشبوة وحضرموت — داعٍ قبليّ واحد ومطرحٌ واحد تقريبًا، يحتكم أبناء هذه القبائل لعُرفٍ واحد، خلافًا لكل القوانين الوضعية.
فالعُرف اليمني معروفٌ ومتعارف عليه منذ الأزل، وربما قبل أن يظهر قانون حمورابي الشهير في العراق، الذي وُصف بأنه أقدم القوانين.
وقد أوردتُ هذه النقطة بالتفصيل في دراستي الاجتماعية الموسومة بـ “خولان الطيال: القبيلة والأعراف”، بعد أن كنتُ قد عنونتها بعنوانٍ آخر، ثم عدلتُ عنه حين وافاني كثيرون بالسير الذاتية لمشايخ خولان.
فلم أُرِد أن أضع نفسي في موضع الإشكال؛ إذ كان ما أردته منذ البداية — وبعد التعديل — هو الحديث عن خولان الطيال بقبائلها السبع، وتقسيمها الجغرافي والاجتماعي، وصولًا إلى إرثها من العرف، كمدخلٍ للحديث عن العرف القبلي عمومًا، ولا شيء غيره.
أعود إلى حادث احتجاز الشيخ الزايدي، وكيف تداعت القبائل ونصبت الخيام في المطارح هنا وهناك، حتى امتدّ صدى الحدث في كل هذه الجغرافيا، وعلى مدى اتساعها.
لتقوم القبيلة في محافظة المهرة شرق البلاد بإنفاذ العُرف — أو هذا التشريع — فعاد الشيخ ضيفًا مكرّمًا بدلًا من أن يكون محتجزًا، ونزل على الشيخ علي سالم الحريزي، الشيخ القبلي المعروف بمواقفه الشجاعة والكثيرة التي لا تنتهي، سواء في ما يخصّ الحفاظ على المهرة، أو في مواقفه الوطنية تجاه اليمن وما يتعرّض له منذ عشرة أعوام خلت.
وبدوري، كنتُ قد كتبتُ قصيدة شعبية كموقف أردتُ أن يصل للقبيلة، اتساقًا مع مواقف قبائل اليمن كافة من موضوع الشيخ موضع الحادث الذي تابعناه جميعًا.
والحقّ أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دورها البارز في متابعة الحدث ومعرفته أولًا بأول.
لكنّني اليوم، وللأسف، لا أدري أين ذهب قصيدي الشعبي، أو كيف حُذف.
ولذا رأيتُ من اللازم أن أدبّج هذه المقالة عِوضًا عن ضياعه.
ولن أسترسل في التعريف بالشيخ محمد الزايدي، فكما قيل في الأثر:
>
“المعروف لا يُعرَّف.”
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news