المغرب .. بين احتجاج الشباب وفرصة الإصلاحات
قبل 1 دقيقة
شهدت المملكة المغربية مؤخرًا موجة من الاحتجاجات الشبابية، قادها جيل جديد أطلق على نفسه اسم "جيل زد 212"، وهو جيل رقمي بامتياز يعيش عصر السرعة والتواصل الفوري، ويعبّر عن وعي متقدّم وإحباط متراكم في آن واحد.
لم تكن الاحتجاجات التي اجتاحت بعض المدن مجرد انفجار غضب عابر، بل تعبيرًا عن أزمة ثقة بين الشباب وبعض مؤسسات الدولة الخدمية، خصوصًا في حقول الصحة والتعليم والتشغيل، كما عبّرت عن رغبة سلمية لانطلاق حوار بناء وجاد يعمل على التغيير والإصلاح قبل أن تتفاقم الأوضاع.
جاءت التحركات نتيجة تراكمات اقتصادية واجتماعية واضحة: ضعف الخدمات العامة، خاصة في الصحة والتعليم، ارتفاع البطالة بين الشباب والخريجين، اختلال في توزيع الثروة، استفحال الفساد وضعف الشفافية، وفقدان الثقة في النخب السياسية التقليدية.
وقد وجد الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً جديدًا للتعبير والتنظيم، بعيدًا عن الأطر الحزبية والنقابية، مما منح حراكهم طابعًا سريع الانتشار وتأثيرًا واضحًا.
اتسم تعامل الدولة بمزيج من التفهم والحزم؛ إذ أعلنت الحكومة استعدادها للحوار ورفع موازنات القطاعات الحيوية، فيما واجهت الأجهزة الأمنية بعض التظاهرات بإجراءات مشددة حفاظًا على الأمن والممتلكات العامة والخاصة من العبث والتخريب الذي اتسمت به تلك الاحتجاجات، وهذا واجب دستوري وقانوني تعتمده المؤسسات المكلفة بحفظ الأمن في كل بلدان العالم. كما دعا رئيس الحكومة إلى حوار وطني شامل يضم ممثلين للشباب لمناقشة حلول واقعية، غير أن شريحة واسعة من المحتجين ترى أن الوعود ما تزال بحاجة إلى خطوات عملية ملموسة تعيد الثقة.
إن تجارب اليمن وليبيا وسوريا والسودان وتونس تؤكد أن تجاهل المطالب الاجتماعية وتغليب المعالجة الأمنية يفتحان أبواب الفوضى والعنف، بينما الحوار والإصلاح الجاد يحميان الأوطان من الانهيار.
والمغرب بما يملكه من مقومات واستقرار مؤسسي وتجربة إصلاحية وبنى تحتية وتوازن سياسي ما يزال قادرًا على تفادي السيناريوهات الصعبة، إذا ما تلاقت الإرادة السياسية مع وعي الشباب المغربي الحريص على مكتسبات بلده التنموية.
لذلك، المطلوب اليوم هو الاعتراف بالمشكلات البنيوية والاختلالات الهيكلية في بعض مسارات التنمية من خلال وضع خطة وطنية زمنية للإصلاح، وفتح قنوات حوار فعالة مع الشباب، مع مكافحة الفساد مؤسسيًا وبضوابط قانونية صارمة، وتوجيه الموارد نحو التنمية المستدامة وبناء قدرات الجيل الجديد التعليمية بما يستجيب لحاجات سوق العمل، وإصلاح فعال لمؤسسات التعليم العمومية والصحية، وتنشيط برامج فرص العمل.
في المقابل، على الشباب التمسك بالسلمية والانخراط في العمل المدني والسياسي البنّاء، لإحداث وعي جماعي يوازن بين المطالبة بالحقوق وحماية الدولة وحفظ استقرارها، وعدم العبث بمعالم البلد التي تعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، والاستجابة لكافة قنوات الحوار دون تصعيد غير محسوب.
إنّ المغرب اليوم يقف أمام منعطف حاسم، فإما أن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإصلاح شامل يعيد الثقة بين الدولة والمواطن، أو تضيع اللحظة في التبرير والمماطلة وتوسع حلقات العنف واتساع الهوة بين الطرفين، وتحول البلاد إلى ما يشبه الفوضى.
لقد جنّب المغرب نفسه في السابق رياح الربيع العربي بسياسة التوازن والإصلاح الهادئ وحكمة الملك محمد السادس، والابتعاد عن التدخل في شؤون الآخرين. اليوم يحتاج إلى تجديد تلك الروح بالحكمة ذاتها، وبنفس السياسة التي تقوم على عملية إصلاح وسلام شامل. فالإصلاح اليوم أهون من الانفجار غدًا، والشباب ليسوا تهديدًا بل فرصة وطنية للتجديد والبناء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news