بشرى العامري:
في بلدٍ مزقته الحرب وشتّتت أبناءه في المنافي والشتات، تظل وثائق الهوية الرسمية، وعلى رأسها جواز السفر، خط الدفاع الأخير عن كرامة المواطن وحقه في الوجود. غير أن ما يجري اليوم في دوائر إصدار الجوازات يكشف عن خللٍ عميق، وفسادٍ يعبُر الحدود مثل الجوازات نفسها.
وكان من المفترض أن تكون مصلحة الجوازات إحدى أكثر المؤسسات انضباطاً وشفافية، لأنها تمثل وجه الدولة أمام مواطنيها والعالم. لكن الواقع اليوم مؤلم، فشكاوى الناس تتصاعد من فروع المصلحة في عدن وتعز وغيرها، حيث تحولت عملية الحصول على جواز السفر إلى رحلة إذلال وابتزاز تمتد لشهور، وتكلّف المواطن أموالاً باهظة لا طاقة له بها.
في محافظة تعز، تجري حالياً حملة تطهير للفساد الإداري، وهي خطوة مطلوبة بشدة، لكن نجاحها مرهون بقدرتها على الوصول إلى عمق المشكلة: شبكات السمسرة والوساطات التي تتحكم بعملية إصدار الجوازات، وتمنح الوثائق لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق.
فالمواطن البسيط الذي يحتاج جوازاً للعلاج أو الدراسة أو لمّ الشمل، يظل يدور في حلقة مغلقة من الوعود والمماطلات، بينما تُفتح الأبواب أمام من يملك “الواسطة” أو المال.
في دول أخرى، لا تستغرق عملية استخراج الجواز أكثر من ساعتين كما في الأردن مثلاً، بفضل النزاهة والرقابة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة البيانات والإجراءات.
أما في بلادنا، فكل ما يحتاجه الأمر هو إرادة سياسية صادقة لإغلاق منافذ الفساد، وتفعيل الأنظمة الإلكترونية التي تضمن العدالة والشفافية.
الحفاظ على وثائق الهوية ليس رفاهية، بل هو مؤشر سيادة ومسؤولية، وإذا كانت الحكومة الشرعية جادة في استعادة ثقة المواطنين، فإن عليها أن تبدأ من هنا: من مكاتب الجوازات التي تعكس احترام الدولة لمواطنيها، فلا كرامة لوطن يُذلّ فيه المواطن طلباً لوثيقة سفر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news