تتعمّق العزلة المالية للحوثيين، يوما بعد آخر، مع تسارع وتيرة انتقال البنوك المحلية والأجنبية من مناطق سيطرتهم، في ظل ضغوط دولية غير مسبوقة، وانهيار البيئة المصرفية بالعاصمة اليمنية صنعاء.
وطبقا لتقارير محلية، فإن آخر بنكين أجنبيين في صنعاء الواقعة تحت قبضة الحوثيين، أوقفا مؤخرا نشاطهما المالي، وتوقفا عن تقديم خدماتهما المصرفية.
وذكرت التقارير، أن بنك "قطر الوطني" و"مصرف الرافدين"، بصنعاء، اختارا التصفية الاختيارية لفرعيهما، "ويعملان حاليا على تسوية التزاماتهما لدى الحكومة وبعض الجهات، دون ممارسة أي أنشطة مالية أو مصرفية، وسط توقف خدمة (السويفت) عن فرعيهما في اليمن".
ويواجه القطاع المالي والمصرفي في اليمن، انقساما حادا بين مناطق السيطرة الحكومية والنفوذ الحوثي؛ ما أدى إلى نشوء سياستين نقديتين مختلفتين، نتيجة إصرار الميليشيا على رفض التعاطي مع سلطة البنك المركزي اليمني في عدن، المعترف به دوليا.
جهود دولية
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة لدى الحكومة اليمنية، معمر الإرياني، إن إقدام "مصرف الرافدين" العراقي على إغلاق فرعه بصنعاء وإنهاء نشاطه المالي والمصرفي، "خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتيجة مباشرة للجهود الدولية الرامية إلى تجفيف منابع تمويل ميليشيا الحوثيين الإرهابية التابعة لإيران".
وأشار في تدوينة مطوّلة على منصة "إكس"، إلى أن هذا الإجراء "يعكس تجاوبا إيجابيا مع التحذيرات الحكومية والضغوط الأمريكية والدولية، ويبعث برسالة واضحة إلى بقية المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، بضرورة مراجعة أنشطتها، والتأكد من عدم وقوعها في دائرة الاستغلال أو التوظيف لخدمة أجندات النظام الإيراني وأذرعه الإرهابية في المنطقة".
وأكد الإرياني، أن الحوثيين "حوّلوا المؤسسات المالية والمصرفية العاملة في مناطق سيطرتهم، إلى أدوات لنهب أموال اليمنيين وتمويل أنشطتهم الإرهابية العابرة للحدود".
تكثيف الرقابة
وحذّر الوزير اليمني، ميليشيا الحوثيين من محاولات "الالتفاف على هذه الإجراءات الدولية، عبر إنشاء شبكات مالية موازية، وشركات صرافة وهمية، واستخدام واجهات تجارية لتهريب الأموال وتبييض العائدات الناتجة عن أنشطة غير مشروعة، تشمل تجارة الوقود والسلاح والمخدرات، فضلا، عن الجبايات غير القانونية التي تفرضها الميليشيا تحت يافطات الهيئات الزكوية والضريبية".
ودعا الوزير اليمني، الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات المالية الدولية "إلى تعزيز التنسيق وتكثيف الرقابة على حركة الأموال القادمة من وإلى مناطق سيطرة الميليشيا، وتوسيع دائرة العقوبات لتشمل الكيانات والأفراد المتورطين في دعمها وتمويلها، بما يسهم في تجفيف شرايين اقتصادها الموازي، وشلّ قدرتها على مواصلة الحرب والإرهاب ضد اليمنيين ودول الجوار والملاحة الدولية".
وتأتي هجرة البنوك الأجنبية من صنعاء، امتدادا لانتقال عدد من البنوك المحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا، إلى عاصمة البلاد المؤقتة عدن، الواقعة تحت نفوذ الحكومة الشرعية، تفاديا للعقوبات الأمريكية المفروضة على العديد من الكيانات والأفراد، بينها أحد البنوك التجارية و"محافظ" البنك المركزي في صنعاء، بموجب تصنيف واشنطن للحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية".
وتؤكد وزارة الخزانة الأمريكية، أن البنوك المستهدفة بالعقوبات، ساعدت الحوثيين في الوصول إلى النظام المالي العالمي، وتجنّب الرقابة على التهرّب من العقوبات، ومكنتهم من استغلال القطاع المصرفي لغسل الأموال، وإنشاء وتمويل شركات واجهة.
فرصة مثالية
ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية، معتصم حسن، أن استمرار خروج البنوك المحلية والأجنبية من مناطق سيطرة الحوثيين "يعمّق عزلة الميليشيا المالية، ويقوّض قدرتها على التحايل المصرفي ومحاولات الالتفاف على العقوبات الدولية".
وقال حسن لـ"إرم نيوز"، إن المصارف العاملة في مناطق الميليشيا، تواجه ضغوطا متصاعدة نتيجة خضوعها لسياسات فرع البنك المركزي بصنعاء، الذي أُدرجت قيادته في قوائم العقوبات الأمريكية؛ "وهو ما يجعل أنشطتها المصرفية عرضة للاشتباه، وتحت مجهر التدقيق الدولي، فضلا عن بقائها تحت التهديد المستمر بتجميد الأصول أو فقدان الوصول إلى النظام المالي العالمي".
موضحا أن الإجراءات الدولية الأخيرة، مثّلت فرصة مثالية للبنوك لاتخاذ قرار الانتقال من صنعاء، بعد الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها جراء السياسات المالية "الارتجالية والمدمرة" للحوثيين، والتي شملت احتجاز ودائع البنوك وتجريم فوائدها، وفرض سعر صرف قسري للعملة المحلية.
وأشار حسن، إلى أن الحوثيين سبق وأن منعوا انتقال البنوك بالقوة خلال الفترة الماضية، وأجبروا كبار موظفيها على البقاء، وسط التهديد بالاختطاف ومصادرة أموال الودائع، "لكن المعادلة تغيّرت اليوم، فالعقوبات الأمريكية جعلت البنوك أمام خيارين: إما خسائر محدودة يمكن تعويضها بالانتقال، أو مواجهة خطر الانهيار الكامل في حال تصنيفها كأداة من أدوات تمويل أنشطة الميليشيا".
وأكد أن تتابع نزوح البنوك، يسحب بساط تأثير الحوثيين على الوضع النقدي بشكل تدريجي، ويعزز إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن لتنفيذ سياساته النقدية في البلد بشكل عام، واتخاذ ما يلزم لإصلاح اختلالات القطاع المصرفي الناتجة عن قرابة عقد من الانقسام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news