تحتضن القاهرة من جديد مؤتمرًا لقصيدة النثر، في مناسبة يستعيد فيها الشعر والشعراء قدرًا من السعادة بما أن هناك من لا يزال مستعدًا لأن يمنح وقته وجهده للترتيب لمؤتمر شعري ولقصيدة النثرِ على وجه التحديد. ولا سيما أن من يتأمل المشهد من زاوية انتقال فعاليات الشعر إلى الهامش، سيحتفل بهذا المؤتمر ويرى فيه فعل إصرار لا تقدر عليه إلا نخبة حية تقاوم من مربعها الإبداعي، وتلتقط المبادرة حين تبني على الدورات السابقة من الحدث؛ لتضع الرقم 9 على دورة جديدة لمؤتمر #قصيدة_النثر (المصرية). وفي الواقع تحتل قصيدة النثر -مهما كانت جنسية كاتبها- مساحة عابرة للجغرافيا، ويليق بها أن تمثل هواجسها وجمالياتها، أما الدلالة على المكان فيكفي أن القاهرة هي الحاضنة لحدث شعري يتسم بإصرار أنيق على التذكير بأن أرواحنا ما زالت تتوق إلى ملاذ لا توفره إلا القصيدة العابرة لمختلف أشكال الضجيج الذي يهيمن على عالمنا اليوم.
يمثل المؤتمر حالة انتعاش للمشهد الشعري ولقصيدة النثر انطلاقًا من القاهرة، العاصمة التي تظل تحمل شعلة كل شيء له قيمة في الوجدان العربي، ومن المهم التوقف عند دلالة انعقاده، خصوصًا في هذا الوقت الذي تشهد فيه صناعة النشر ما يشبه العزوف الخجول والصامت عن طباعة الدواوين الشعرية لصالح السباق على طباعة الأعمال الأكثر رواجًا، وأيضًا نشهد اختفاء أو ندرة الفعاليات الثقافية الجادة، ومن هنا يأتي مؤتمر قصيدة النثر كفعل حقيقي للمقاومة ضد ثقافة الاستهلاك والسطحية. كما نجد فيه إصرارًا على أن للشعر جمهوره النوعي ومساحته التي لا يمكن أن تملأها أشكال التعبير الأخرى. ويكفي أن المؤتمر بجلساته وأمسياته يمثل فرصة للقاء الشعراء والنقاد وغيرهم من المهتمين بأجواء وفضاءات قصيدة النثر وصوتها المختلف.
وبتأمل عناوين جلساته البحثية نجدها تواصل الحفر بحثًا عن وعي نقدي يتجاوز الاحتفاء بالمنجز الشعري إلى مساءلته وتفكيكه، إذ يناقش المؤتمر “قصيدة النثر من الحقيقة إلى التحقق”، وهو محور طموح يلامس جوهر التحول في قصيدة النثر، على اعتبار أن الشعر تجاوز مهمة نقل الحقيقة الجاهزة إلى صوغ المغامرة الوجودية الأبعد التي يخلق فيها الشاعر معناه الخاص ويتحقق من خلاله. وتلفت الانتباه كذلك جلسة يذهب عبرها المؤتمر إلى منطقة أكثر جرأة، عنوانها “ما بعد قصيدة النثر: قصيدة المعنى بين الجليل والجميل والقبيح”. وهو عنوان يتسق مع الجوهر والحافز لانطلاق المؤتمر منذ دورته الأولى، والمتمثل في تحطيم الأصنام وتأكيد قيمة التجاوز. وللأصنام في الثقافة والإبداع تمظهرات متعددة بعضها يمكن أن تكون داخل اشتغال قصيدة النثر، ومنها الأصنام الجمالية التقليدية وما يميل إلى الرسوخ والتقعيد المناقض لطبيعة قصيدة النثر. ومن هنا يستبطن المؤتمر في محاور جلساته كل هذا العمق الفكري الذي يجعله يستحق الاحتفاء.
وبين جلسات المؤتمر ما يعزز الالتحام الإجباري بالواقع وبما يدور في لحظتنا الراهنة بكل سوادها وقهرها وما تفرضه على الوعي الإنساني النبيل من الإحساس بضرورة التعبير عن الموقف، وهذا ما نجده في جلسة يخصصها المؤتمر لـ”تجليات المقاومة في قصيدة النثر المصرية”، ليؤكد أن الشعر بكل أشكاله قادر على أن يكون حاضرًا ومحايثًا لألم الإنسان وأشواقه في كل وقت.
مرة أخرى، أن تحتضن القاهرة هذا الحدث الشعري ففي ذلك تأكيد على أن المشهد الإبداعي في #مصر سيبقى بمثابة البوصلة الثقافية العربية، ورغم كل التحديات تبقى مصر ونخبتها قادرة على جمع هذا العدد الكبير من مبدعيها (36 شاعرًا و13 باحثًا ومترجمًا) في رسالة مباشرة مفادها أن الشعر سيبقى ضرورة وأنه الرهان العنيد على إمكانية التنفس بالكلمات في واقعٍ يشهر القسوة والرداءة ويصنع الحروب القذرة التي تصمد في وجهها مصر بمواقفها الصلبة، وبفضل نخبها المتجددة والمبادرة باحتضان كل ما ينتمي للجمال والدهشة والتطلع إلى ما بعد البعد.
49 باحثًا وشاعرًا يشاركون في المؤتمر
على مدار ثلاثة أيام متتالية تبدأ من يوم الثلاثاء الموافق 16 سبتمبر، تستضيف نقابة الصحفيين المصرية فعاليات الدورة التاسعة من “مؤتمر قصيدة النثر المصرية”. يُعقد المؤتمر في قاعة محمد حسنين هيكل، حيث تنطلق الأنشطة يوميًا في تمام الساعة الخامسة مساءً. وتحتفي هذه الدورة بشكل خاص بالتجربة الشعرية والنقدية للشاعرين الراحلين الدكتور محمد السيد إسماعيل ويوسف مسلم. كما يسلط المؤتمر الضوء على قضية محورية تتمثل في “ترجمة الأدب والشعر المصري”، مخصصًا جلستين لمناقشة دور المبادرات الأهلية والفردية في هذا المجال. وتتزامن فعاليات المؤتمر مع إطلاق الجزء السابع من أنطولوجيا “ينابيع تصنع نهراً”، الذي يصدر بالتعاون مع دار روافد للنشر.
تتولى تنظيم المؤتمر لجنة تضم الشاعر عادل جلال منسقًا، وعضوية الشاعر إبراهيم جمال الدين والشاعر والناقد عمر شهريار. ويأتي المؤتمر بالتعاون مع اللجنة الثقافية والفنية بنقابة الصحفيين ودار روافد للنشر التي يديرها الشاعر إسلام عبد المعطي. ويشارك في هذه الدورة حشد كبير من المبدعين، بواقع 13 باحثًا ومترجمًا و36 شاعرًا، يثرون المؤتمر بأبحاثهم وقصائدهم على مدار أيامه الثلاثة.
تبدأ فعاليات اليوم الأول، الثلاثاء، بجلسة افتتاحية يقدمها الإعلامي خالد منصور، تليها جلسة بحثية أولى يديرها الدكتور أحمد عمار ويشارك فيها كل من الدكتور محمد عبد الله الخولي والدكتورة رشا الفوال. بعد ذلك، تُعقد ندوة متخصصة حول ترجمة الأدب والشعر المصري تديرها المترجمة ابتهال الشايب بمشاركة الشاعر أحمد الشهاوي والمترجمة سارة حواس، ويُختتم اليوم بأمسية شعرية يديرها الإعلامي خالد منصور بمشاركة أحد عشر شاعرًا.
أما في اليوم الثاني، الأربعاء، فتنطلق الفعاليات بجلسة بحثية تديرها الباحثة مريم أشرف عاطف، ويشارك فيها بأبحاثهم كل من الدكتور سامي سليمان، والشاعر حاتم عبد الهادي، والدكتور محمد جيب. وتعقبها جلسة تكريمية مؤثرة بعنوان “قليل من المحبة للشاعر محمد السيد إسماعيل وللشاعر يوسف مسلم”، يديرها الشاعر ناظم نور الدين ويشارك فيها الشعراء علي عطا وعيد عبد الحليم وإبراهيم جمال الدين. وتُختتم ليلة اليوم الثاني بأمسية شعرية تديرها الشاعرة عبير عبد العزيز بمشاركة اثني عشر شاعرًا.
وفي اليوم الختامي، الخميس، تبدأ الأنشطة بجلسة بحثية يديرها الشاعر أحمد المريخي، ويقدم فيها الباحث أحمد حلمي والشاعر أحمد لطفي رؤاهما النقدية. تليها الجلسة الثانية المخصصة لمناقشة ترجمة الأدب، والتي يديرها الناقد مجدي نصار بمشاركة المترجم الدكتور أحمد الشيمي والمترجمة نجوى عنتر. وتُسدل الستار على المؤتمر بأمسية شعرية ختامية كبرى يديرها الشاعر أحمد عبد العظيم بمشاركة ثلاثة عشر شاعرًا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news